* حقوق الأطفال علينا كثيرة ومن أهمها التربية بتنمية الدين والأخلاق في نفوسهم حتى يكونوا على جانب كبير من ذلك قال تعالى يا أيها الناس قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وقال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته فالأطفال أمانة في عنق الوالدين, وهما مسئولان عنهم يوم القيامة, وبتربيتهم التربية الدينية والأخلاقية تصلح أمورهم فيكونوا لهما قرة عين, فمن حقهم أن تنفق عليهم بالمعروف من غير اسراف ولاتقصير ومن حقهم ألا تفضل أحداً منهم على أحد, فهذا من الجور والظلم والله لا يحب الظالمين, وعلينا المحافظة عليهم فهذا أولى لنا وأنفع في الدنيا والآخرة فعلينا بتغذية اجسامهم بالطعام والشراب، وكسوة أبدانهم باللباس وعلينا أن نغذي قلوب أطفالنا بالعلم والإيمان ونكسو أرواحهم بلباس التقوى فذاك خير.
فمما لاشك فيه أن الأسرة من أقدم النظم الاجتماعية التي عرفها الإنسان والتي وإن طرأ عليها بعض التغيرات فلا تزال تحتفظ بالكثير من وظائفها التي مارستها في الماضي السحيق، ولا تزال تمارسها ولعل اهم تلك الوظائف على الإطلاق هي عملية التنشئة التي تضطلع بها الأسرة لعدد من السنوات, تبدأ منذ تكون الجنين وتمتد حتى نهاية سن المراهقة, بل تمتد في بعض جوانبها الى نهاية عمر الفرد ولأن وظيفة الأسرة في عملية التنشئة تبدأ في مرحلة التكوين الأولى حيث يكون الطفل فيها أكثر قابلية للتشكيل والتطبيع وأكثر مرونة لتشرب القيم والمعايير الاجتماعية.
* فإن هذا يعطي أثراً مهماً وخطيراً في حاضر الطفل ومستقبله، ومن هنا يتضح أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في حياة الطفل وفي تشكيل شخصيته، فما يتعرض له الطفل داخل الأسرة من مواقف ومن أساليب تربية وغيرها يمكن أن يؤثر فيه تأثيراً بالغاً لا يقارن بما يحدث في نفس الظروف للكبار، حيث إن الأسرة ليست مجرد أداة لنقل القيم والتراث الاجتماعي للأجيال الجديدة بل إنها ايضاً عامل من عوامل وقاية الطفل ومنعه من أن يتأثر بالنماذج السيئة غير المرغوب فيها، بل إن الأسرة الأحسن تكيفاً والأفضل تكاملاً هي الأكثر نجاحاً وهي الحصن المنيع ضد السلوك المضاد للمجتمع.
وتتميز الأسرة بعدة خصائص تتبلور أهميتها في عملية التنشئة ومن هذه الخصائص ان الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الفرد، وهي المسئولة عن تنشئته اجتماعياً، فإذا كان المحيط الأسري يبعث على الرضا ويسوده الحب والاحترام ويحقق للفرد حياة مطمئنة ويشبع رغباته العاطفية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن مثل هذا المناخ يجعل تأثير الجماعات الأخرى على الفرد محدوداً، ويظل الفرد في مثل هذه الأسر محافظاً على قيم ومعايير أسرته مهما تعددت علاقاته الاجتماعية وانتمائه الى العديد من الجماعات, إلا أن ارتباطه بأسرته يبقى قوياً مهما بلغت منافسة الجماعات الأخرى, لأن الأسرة بأفكارها وقيمها وتقاليدها وانماط سلوكها تمارس قوة كبيرة في عقل الفرد ليس بقوة القهر وإنما بقوة الاقناع.
* أما عندما يكون المناخ الأسري مشحوناً بالفوضى والكراهية والتناقضات وعندما تكون الأسرة غير قادرة على إشباع حاجات أفرادها من الحب والعطف والطمأنينة فإن أفراد هذه الاسرة صغاراً كانوا ام كباراً أكثر سهولة في الانقياد لتأثير الجماعات الأخرى حتى ولو كانت هذه الجماعات لا تتفق مع الأسرة في القيم والمعايير, وكبار أفراد الأسرة هم المثل والقدوة للصغار، فإن كان سلوك الكبار مستقيماً دافعا لهم محموده فلاشك أن الصغار سيكونون أقرب إلى الاستقامة منهم إلى الانحراف فإذا ما قدر للفرد أن ينشأ في أسرة صالحة فإن نموه يأخذ طريقه في يسر وسهولة وينتقل من مرحلة الى أخرى مكتسباً ما يحتاجه من ثقة بنفسه ومن خبرة ومهارة في شتى أنواع النشاط الإنساني.
وأما إذا قدر له ان تحتضنه أسرة غير صالحة فإن نموه يضطرب ويحاط بجو اجتماعي يشعره بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه فلا يستطيع أن يدخل حياته واثقاً من نفسه فيجد نفسه منزوياً هارباً من حياته، ومن المواقف التي عليه دخولها والمساهمة فيها، وتتكون نتيجة ذلك كله أن ينشأ عاجزاً عن اتخاذ أي قرار أو إبداء أي أمر من الأمور, فخبرات الطفل الأولى مع أمه هي التي تحدد علاقته بباقي افراد أسرته، وعلاقته الاجتماعية خارج الأسرة والمعتقد بين علماء النفس أن أساس الصحة النفسية والعقلية والنمو النفسي السليم للطفل هو أن يمارس ألواناً من العلاقات الحميمة مع أمه أو مع بديلة لها بمثابة الأم.
* وهنالك اتفاق بين العلماء والمهتمين بدراسة الشخصية سواء المحللين النفسيين أو من غيرهم على أن خبرات الطفل الأولى وخصوصاً التي ترتبط بعلاقته مع أمه لها أهمية كبرى في نمو شخصيته وخصوصاً في تطور سلوكه الاجتماعي, أما بالنسبة لدور الأب في عملية التنشئة فلا يقتصر دوره على توفير الحاجات الضرورية لأبنائه بل على مقدار ما يمنحه لهم من حب ومودة وعناية، دون التركيز على اشباع الحاجات البيولوجية لهم، حيث إن الطفل يتعلم من أبيه انماطاً سلوكية مناسبة لجنسه تميز الذكور عن الإناث ويعتبرها المجتمع مناسبة ومميزة للذكور, كما ان الأبوة المستنيرة تدرك إدراكاً حقيقياً أن سلطة الأب في المنزل لا تعني الحرمان أو القسوة أو القمع لكل رغبات ونزعات الطفل، بل تعني التنظيم والتوجيه الذي يحتاجه الفرد في الأسرة ويساعده بشكل كبير على الإدراك الحقيقي لذاته وأهم امكاناته وقدراته فبعض الآباء يظن أن الطريقة الوحيدة لتربية الأبناء هي القسوة, ويظن البعض الآخر من الآباء انه يجب إعطاء الأبناء الحرية الكاملة دون توجيه أي كلمة نقد, معللين ذلك بأن قواعد التربية الحديثة تفرض أن نترك للابناء الحرية الكاملة، ولكن الحقيقة أن تعلم قواعد السلوك للأبناء، يجب أن يتم وسط إحساس الأبناء بالصداقة مع الأسرة، واضعين في الاعتبار أن الآباء هم الذين يضعون البذور الأساسية لسلوك الأبناء.
بمعنى أنهم يفرضون السلوك الطبيعي أو السلوك المصطنع.
إذن ان المهمة المنوطة بالأسرة.
* في عملية التطبيع الاجتماعي هي خلق المناخ الأسري الملائم الذي يساعد على تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية صالحة، إن هذه الإشارات المجملة الى طبيعة المناخ النفسي للأسرة المسلمة، تبين خصائص هذا المناخ من خلال العلاقات القائمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وما تتيحه الأسرة لأفرادها من نمو لشخصياتهم، وما تقدمه لهم من تشجيع وتوجيه نحو الاتجاهات الإيجابية، كالاستقلال والإنجاز والأنشطة العقلية والجسمية.
وذلك من خلال أنماط التفاعل المتبعة داخل الأسرة, والتأكيد على القيم الدينية والأخلاقية، وكذلك مدى وضوح القواعد السلوكية وتحديد الأدوار, وتوزيع المسؤوليات, ومدى الضبط الذي يمكن أن تمارسه على أفرادها.
هدى عبدالمحسن المهوس