في بيت اخي العامر، الدكتور عبدالله الغذامي,, في الرياض، سألني اذا كنت اريد قهوة شعير ، ام القهوة العربية، التي نعهدها، بن، هيل الخ,! وسألت فيما يشبه الاستغراب عن قهوة الشعير ، وهو غذاء مأكول ومذموم، كما يقول القدماء, وعادت بي الذاكرة,, الى اكثر من نصف قرن، ايام الحرب العالمية الثانية، أيام الجوع والفقر والدمار والبؤس, كان الذين تعودوا على تناول القهوة، حين فقدوها، وهم قد فقدوا حتى الخبز,, في بعض الاحيان، والمواد الغذائية هناك تخضع للتموين ، بالبطاقات,, ولكل فرد قرص عيش واحد في اليوم, واليوم نحن في نعمة والحمد لله، حتى اننا,, نرى الطعام الجيد، من خرفان ودجاج ولحوم شتى وكوازي الارز والاسماك، تكب في القمامة,, اكثر مما يتناول الآكلون, وأقول لقومي: اتقوا الله في النعمة,! وقديما قالوا: اذا كنت في نعمة فارعها !
كييفو القهوة في الشمال الافريقي,, ايام الحرب المدمرة كانوا يحمسون الشعير، ويحمسون معه شيئا من الكزبرة الناشفة، ليصنعوا منهما قهوة,! وعلى رأي المثل السائر ريحة ابو علي ولا عدمو !.
وسمعت كذلك اليوم,, ان الامريكيين يحلّون الشاي بالعسل, وكان الناس ايام تلك الحرب الطاحنة يحصلون على قراطيس معجون ناشف، يسمونه شيقوريه ، يطبخونه لدقائق بالماء، ثم يضعون عليه التمر ،لأنه في ايام الحرب، لا يوجد سكر ولا نراه ولا نعرفه ذلك ان البواخر,, التي تحمل الارزاق، تعترضها الغارات الجوية,, في عرض البحر لكي تغرقها، إضعافا للعدو، لأن الحرب لا تبقي ولا تذر.
وشربت قهوة الشعير، وهذا الغذاء افيد وأصح من البن,, الذي ادمناه بأنواعه، العربي، والتركي، والفرنسي، والامريكي,! وجميل ان نجنح الى الشعير، وان كان تناوله على نحو ما، فيولد ما يشبه النكت، لأنه عادة,, غذاء للحيوانات والدواب خاصة, لذلك صدق المثل في ذمه رغم تناوله,!
وحدثت أخي الغذامي بأن الشعير,, يصنع منه السويق ففي ايام الجوع يحمّص ويطحن ويغربل، لتخرج النخالة، وتوضع منه كمية لفرد او اثنين، ثم يصب عليه قليل من الماء يخلط معه، ويتناول, أما في ايام الخير فإنه يضاف الى هذا الدقيق المستوي تمر وزيت زيتون، واذا غاب التمر المرقّد ينوب عنه العسل، وهي وجبة غنية ودسمة,! وأيام الكرب والجوع، فإن خبز الشعير هو الوجبة الرئيسة، ويظل يتناول بعد خبزه يومين وثلاثة مع كوب ماء او ما يشبه السلطة المكونة من طماطم وثوم وفلفل حار، وشيء من زيت اذا وجد ، مخلوطة ببعض الماء,!
سأحاول كتابة حلقات محدودة، وغير ثقيلة، عن الحياة والعوز,, ايام الحرب والكرب، لعل جيل اليوم يعي الجوع وحاله، ويحمد الله على نعم الغنى والسعة والجدة,!