استمتعت جماهير الكرة السعودية والعربية، كما لم تستمتع من قبل، بالأمسية التاريخية الرائعة لنهائي بطولة كأس الملك عبدالعزيز والتي لم ينقصها سوى غياب أمير الشباب الراحل فيصل بن فهد، يرحمه الله، الحاضر دوما في وجدان الشباب العربي في كل مكان، وهناك ثلاثة اسباب جعلت هذا الحدث الغالي يدخل كل القلوب، أولها ختام الاحتفالات الشاملة بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية على يد ملهمها وقائدها الاول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه وتوليها لاحقا قيادة الامة الاسلامية والدفاع عن عقيدتها السمحة، وثانيا تشريف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لنهائي البطولة وتسليمه الكريم للكأس الذهبية والميداليات لبطل المسابقة الهلال ووصيفه الاهلي، وثالثا السيمفونية الرائعة التي تبارى في عزفها نجوم الهلال والاهلي، لإظهار فنون الكرة السعودية ومكانتها الراقية، وكانت ابداعات الكبار محمد الدعيع وأحمد الدوخي ونواف التمياط وسامي الجابر وجاسم الهويدي، تقابلها مهارات تيسير النتيف وعبدالله سليمان وخالد مسعد وخالد قهوجي وطلال المشعل ريكاردو بيرير,,, ومع نسمات الربيع العليلة تعالت اعلام الهلال وازرقت عاصمة العرب في ليلة بهيجة لا تنسى.
التحكيم,, والحاسة السادسة ,,,!
عندما التقى الهلال والاهلي في نهائي كأس الملك لعام 1397ه 1977م كانت هذه اول مرة اكتب فيها عن لقاء يجمع بين الفريقين الكبيرين، كنت حريصا للغاية على تناول النواحي الفنية البحتة لتلك المباراة للابتعاد ما أمكن عن حساسية اللقاءات الكبرى، ولازلت أذكر كيف لجأت مرارا إلى جهاز الفيديو لتسجيل كل صغيرة وكبيرة لأضعها في اعلى صفحة كاملة في شكل جداول بلغة الارقام لاحداث الشوطين.
واليوم مع تسابق الصفحات الرياضية في تناول لقاء قمة كأس المؤسس بإسهاب كبير، يصبح من الواجب التطرق الى الجانب الآخر لمثل هذه اللقاءات وأعني به التحكيم، ولا أعني هنا بأي حال التقليل من شأن التحكيم الجيد للقاء الاربعاء، بل ان حكم المباراة كان رائعا في متابعته الدقيقة لاحد اللاعبين عندما حاول الوقوع في منطقة الجزاء بحثا وراء احتساب خطأ ما ينقذ موقف فريقه، ومازلنا نؤكد بأن لعبة الملايين الحقيقية لا يوجد فيها حكم يمنح الفوز لفريق ويحرم آخر، بل ان اللاعبين انفسهم هم الذين يصنعون النصر او يفقدونه، والامر كله لا يتعدى الاجتهادات او وجهات النظر، ومن حق حكامنا ان نوفر لهم ما يتمنوه من الثقة والاحترام بعدما اثبتوا جدارتهم في الملاعب السعودية والعديد من المحافل الدولية.
ولكننا نود ان نشير إلى ان ادارة المباريات الهامة يجب ان يديرها حكم الساحة بكل حواسه بما فيها الحاسة السادسة، وهذا يعني ان النظرة إلى مثل هذه اللقاءات النهائية يفترض ان تكون متساوية لكل فريق، فالمرونة اساسية ومطلوبة وهي سيدة المواقف، وان التفكير في اتخاذ احد القرارات الصعبة يلزمه حرص أشد في المحافظة على مبدأ العدالة حتى النهاية، ودور الحس السادس هنا منح كل ما يمكن لاخراج اللقاء اكثر روعة ومتعة، فمن قال ان المباراة بين طرفين فقط؟
من مشاهداتنا ومتابعاتنا للمباريات العالمية طوال سنوات عديدة، نلمس دائما ان الحكم الجيد هو قائد هادئ الاعصاب وآخر ما يفكر به اخراج بطاقة حمراء او احتساب ضربة جزاء، فإذا تسرع في قرار ما فانه يحاول ضبط الامور بإعادة كفة المساواة، وكم رأينا في المباريات الهامة حالات يقوم الحكم باخراج بطاقة حمراء لحالة شديدة الوضوح ثم يتبعها ببطاقة مقابلة لحالة أقل وضوحا، وكم ايضا تابعنا كيف يبتعد الحكم عن احتساب ضربة جزاء ما لم تكن مؤكدة وغير قابلة للتردد، والهدف في كلا الحالتين اتاحة فرصة المساواة والمحافظة على مبدأ توازن المباراة لضمان استمرار المنافسة بين الفريقين.
وعودة الى لقاء الاربعاء يتضح لنا كم كانت المباراة رائعة ومتوازنة بين عملاقين يبذلان كل ما لديهما في الدفاع والهجوم، إلى ان حدث الإخلال بالتوازن وينال لاعب من احد الفريقين بطاقة حمراء لتتحول الامور بعدها وتصبح المباراة من جانب واحد او كما يقال بالانجليزية )one side game( ويكاد المتاجر بكامل قواه ان يلحق بالمتقدم الأقل عددا، ولكن تشاء الاقدار ان يحافظ الاخير على تفوقه حتى النهاية لتتحقق عدالة السماء,, هنيئا للهلال كأس المئوية الفريدة، وحظا افضل لشقيقه الاهلي في المناسبات القادمة,, وكل مئوية وقيادتنا الرشيدة وأجيالنا المقبلة والكرة السعودية بخير ورفاه وتفوق.
الكأس الذهبية 2000
بدأت قبل ايام بطولة الكأس الذهبية الخامسة لكرة القدم لعام 2000م التي ينظمها اتحاد الكونكاكاف لدول امريكا الشمالية والوسطى ومنطقة الكاريبي وسط تغطية اعلامية متواضعة، وهي البطولة التي اطلقت الانذار الاول للكرة البرازيلية، وكنا بدورنا حذرنا من انعكاسات هذا الانذار على الكرة العالمية وهي مقبلة على مونديال فرنسا الاخير وبطولة القارات الماضية مما اسفر عنهما غياب بريق سحرة السامبا وسقوط منتخب البرازيل,, وتتضح حقيقة الانذارات التي تطلقها بطولة الكأس الذهبية )Gold Cup( كونها تعتبر البطولة الرسمية المؤقتة لاتحاد دول الكونكاكاف البالغ عددها 23 دولة (تضم مجتمعة 5860 ناديا، 3,37 مليون لاعب وابرز فرقها المكسيك المهيمنة على البطولة والولايات المتحدة وجامايكا وغواتيمالا) ويحرص اتحاد الكونكاكاف في كل دورة لها على دعوة لمشاركة احد المنتخبات الكبيرة من امريكا الجنوبية لرفع مستوى البطولة، ولدى دعوة منتخب البرازيل الاول للمشاركة في البطولة الاخيرة قبل انطلاقة دورة كأس العالم عام 1998، تعثر هذا متعادلا مع جامايكا وغواتيمالا قبل ان يسقط أمام الولايات المتحدة، ولم تستوعب البرازيل الانذار فخسرت كأس العالم، وجاء دور المكسيك زعيمة الكونكاكاف لتؤكد هذه الاطاحة وتخطف كأس الملك فهد للقارات قبل شهرين,, فهل من متابعة جادة لاندازات بطولات الكأس الذهبية، ام ان الوقت قد حان لفرق بطولة آسيا 2000 في دخول منافسة إطلاق الإنذازات !
عميد جلال المهتدي
ameed*shaheer.net.sa