يشتكي كثير من الناس أن الفلوس لم يعد فيها بركة كما كانت في السابق, فبالكاد تصرف الخمسمائة إلى أجزائها حتى تطير في غمضة عين, أما المائة ريال فلم يعد لها قيمة شرائية أصلاً فقد اصبحت مصروف جيب يومي, أما العشرة والعشرون فقد أصبحت من مصاريف الأطفال, وهذه الشكوى يجأر بها أبو راتب ثلاثة آلاف وأبو راتب عشرين ألفاً مما يعني فعلاً أن الفلوس هذه الأيام لم يعد فيها بركة وبعيداً عن الاحساسات والمشاعر المرافقة للفلوس، فالفلوس هي الشيء الوحيد الذي يحسب بدقة فالمال عديل الروح كما يقولون, فالإنسان يستطيع أن يحسب مصاريفه بدقة وان يتعرف على مصدر شفط البركة عن الفلوس, يمكن أن يبدأ من الأسواق الجديدة الفاخرة فهي أولا مكان يشفط البركة عن أي كمية من الفلوس مهما تعاظمت حتى لو كانت فلوس بل غيتس, فإذا دخلت سوبر ماركت فأول شيء يجب أن تتأمله ليس البضائع التي يعج بها المكان ولكن حجم العربة التي سوف تستخدمها لجمع مشترياتك،, فكثير من المحلات الكبرى إذا لاحظنا بدلوا عرباتهم الصغيرة إلى عربات كبيرة ولولا ضيق المحل وقليل من خوف الله لوفروا لك عربة كهربائية بحجم سيارتك, فكلما اتسعت العربة ضاعت البضاعة فيها, ولا تحس أبداً بكمية ما اشتريته, وكثير من الناس يخرج من البيت وفي جيبه ورقة تتضمن كل احتياجاته ولكن لو قارنا بين الورقة وبين ما تحتويه العربة عند الكاشير لاكتشفنا ان كمية ما تحتاجه أقل من نصف ما حملته معك في تلك العربة, كما أن البطاقات تساهم بطريقة أخرى في تقليل البركة عن الفلوس، فبطاقة صراف هي أكبر شافطي البركة من الفلوس لأنك لا تحس بالنوط الأحمر يخشخش بين يديك، وعندما تدفع بها فكأنك تدفع من مال غيرك أو كأنك تأخذ بلاش في الواقع.
عندما تقرأ بعض الاعلانات في الدول الغربية ستلاحظ عبارة تقول لا مصاريف خفية وهذه العبارة جديرة بالتأمل أي أن السعر المعروض هو السعر النهائي فحقيقة الأمر فان بعض البضائع وبعض الخدمات تعرض عليك مفككة الأسعار، أي يخمونك بسعر براق ومناسب حتى تتورط في الشراء ثم تبدأ المصاريف الحقيقية تظهر وقد لا تنتهي, فعلى سبيل المثال تقرأ إعلاناً يعرض كمبيوتر بثلاثة آلاف ريال وقد يبدو هذا السعر مناسباً لميزانيتك, يظن الكثير ان هذه الثلاثة آلاف هي آخر علمه بمصاريف الكمبيوتر بينما هي في الواقع بداية مصاريفه على شيء اسمه كمبيوتر مثل ما تقول عربون بمعنى آخر عند شرائك جهاز كمبيوتر فهذا يعني انك فتحت باب مصاريف جديدة على راتبك.
وكل شيء في هذه الحياة الحديثة هو في الواقع يقوم على المصاريف الخفية, فبركة الفلوس المتوفرة فيها أيام زمان كان مصدرها قلة البضائع والخدمات المعروضة بالاضافة إلى انعدام المصاريف الخفية فلو ركزنا قليلاً عند مرورنا على بقالة صغيرة لتناول الجريدة أو اللبن ستلاحظ أنك خطفت حلاوة لحمودي ولعبة صغيرة لفهودي فاللبن بثمانية ريالات، ولكنك دفعت في الواقع اثني عشر ريالاً، والمبلغ الاضافي الذي خطفه حمودي وشقيقه فهودي ينسى على الفور وعندما تشعر بضغط المصاريف وتجلس مع أم العيال لمناقشة أوضاع الميزانية وتحسب مصاريفك ستلاحظ ان الحسابات النظرية لا تتطابق مع مصاريفك الحقيقية, ثم تلتفت على أم العيال وانت تصرخ يا بنت الحلال ما أدري وين تروح الفلوس فتجيبك المسكينة: الفلوس ها الأيام قليلة بركة .
***
* ملاحظة هامة:
نشرت يوم الأربعاء الماضي عنواناً إلكترونياً جديداً ولكني اكتشفت بعد عدة تجارب انه يعاني من مشاكل في مسألة دعم اللغة العربية فأرجو العودة إلى العنوان القديم والشكوى إلى الله.
Yara2222* Hotmail. Com