Saturday 19th February,2000 G No.10005الطبعة الاولى السبت 13 ,ذو القعدة 1420 العدد 10005



لما هو آت
أي شيء يحدث عندما يتفرَّد الإنسان؟
د ,خيرية إبراهيم السقاف

ماذا لو دعوتكم كي ترحلوا معي نحو بحر كبير واحد في,,,، لنرى رجلاً واحداً ليس غيره،
ونشاهد فأساً ضخماً واحداً لايوجد سواه، يبتر شجرة واحدة ضخمة ليس غيرها فوق الأرض؟، ويلقي بها إلى هذا البحر الكبير الهائج!،,,.
كيف ستكون الأرض دون بقية البحور؟!، وكيف ستخلو من الرجال كلهم؟ وكيف سيبدو منظرها خالية من بقية الأشجار على اختلافها؟,,.
وقد التهم البحر الكبير، الشجرة الكبيرة، على يد الرجل الكبير، بالفأس الكبير؟ هذا التضخم,,, القاضي على أشياء هي من العناصر الأساس للحياة، البحر، الرجل، الشجرة؟!,,, هذا التضخم, رغبة لخيال,,, من ورائه نيّة ، بلا ريب جاءت عن دافعية سببية,,, كي تجرِّد صدر الإنسان محور الحياة المتفرد بضخامته مصدر سطوته، من الإحساس بالحياة، فيبتر الشجرة مصدر البقاء ويغرقها في البحر ,,, (رافد الإمداد)!!,,.
والسؤال ليس يقف فقط عند هذا من التأمل في أبعاد هذا الخيال الذي أرسله مغنو الأطفال في القرون الأولى في الغرب,,, ضمن أهازيجهم، كي يمنحوا أخيلة الصغار فرصة التفكر في بحر هائج واسع كبير،ورجل واحد ليس سواه يتحرك على الأرض، وفأس ضخم من صنعه كي يبتر الشجرة الهائلة اليتيمة؟! ويلقي بها في البحر بما لديه من القوة؟
لو كنت ذلك الطفل الذي يستمع الى أهزوجة الشاعر الرحَّال في سماوات الخيال فلسوف أذهب بعيداً كي أتخيل ما فعل الخيال العلمي الحديث من تضخم كل شيء الديناصور؟ وقاذفات البارود، وباعثات النار، ومطلقات القنابل، ومحرقات الأرض,,.
فيضان فيضان خيالي,,, لمقاصد حارقة مشحونة في الصدور؟
والسؤال هل هناك دافعية للقضاء في صدر الإنسان منذ بدء القول؟ قبل ان تكون هناك دافعية للبناء؟!
إنها اسطورة قابيل وهابيل,,.
لكن أن تكون اهازيج للصغار كي تُبرمج، وتُمنهج أفكارهم ومشاعرهم صوب هذه الأبعاد فتلك هي المسألة.
وأصحاب الكلام، من الشعراء والناثرين والحكماء والهزَّاج والمفكرين يرسلون في عبارات كلامهم ابعاداً لها دلالات لاتترك عابراً بها غالباً دون الوقوف,,.
فهم بذلك يثمّنون القول، بمنحه قيمة جاذبة للتأمل فيه، وإن لم يفعلوا فلا مايدعو للوقوف,,, هؤلاء يتخذون من الكلام مطايا إلى الآخر,,.
والآخر,,, يتقبل تحاياهم كي يتَعرَّف إلى، ويتآلف مع أقوالهم,,.
من تلك الأقوال جملة سطور جاءت في كتاب الألف قصيدة
The Book of 1000 Poems) الصادر في طبعة جديدة (1998) في نيويورك عن Wings Books في (ص5) ضمن النظم التقليدي من أهازيج الطفولة يقول:
لو أن جميع البحور غدت بحراً واحداً
أي بحر عظيم سوف يكون؟
لو أن جميع الأشجار غدت شجرة واحدة
أي شجرة عظيمة سوف تكون؟
لو أن جميع الفؤوس غدت فأساً واحداً
أي فأس عظيم سوف يكون؟
لو أن جميع الرجال غدوا رجلاً واحداً
أي رجل ضخم سوف يكون؟
وإذا ما أخذ الرجل الضخم، الفأس العظيم.
وقطع به الشجرة العظيمة، وألقى بها في البحر العظيم
فأي رشاش دوّامي سوف يكون
ولقد تعمَّدت استخدام (رشاش دوّامي) في ترجمة العبارة,,, ذلك لأن الدلالات البعيدة التي يحملنا إليها هذا الخيال,,, إنما يعيدنا إلى دوامات عديدة: فكر الإنسان، الناتج عن مُعطيات الحياة من حوله، المكوِّن لمحتوياته، المرتبطة ببواعثه، الناجم عن مقاصده، الممثلة لأحلامه ورغباته، المصورة لطموحاته، الراسم لحياته في كامل مافيها,,, دوامات الإنسان الخاصة، والحياة العامة، والمحيط الخاص، ومضامين كل ذلك، ودور الإنسان، ورموز الطبيعة من شجر وبحر،,,.
فأي شيء يحدث حين يتفرد الإنسان في صورة رجل واحد ضخم كبير قوي، وهو يقف على الأرض الجدباء,,, الخالية من أي شجر، بعد أن يكون قد القى بها في البحر؟
يتفرد هو وفأسه؟! وقد فقد من حوله مصدر الغذاء والنماء؟!
ثمة صورة أخرى: هذا البحر الكبير في الأساس لايقارن بشجرة واحدة,, فأي شجرة بل أشجار حين ترمى في البحر فهي لاتسده ولاترده؟,,, فليكن في المقابل حين تجتمع البحور وتجتمع الأشجار فتكون شجرة واحدة إلى بحر واحد,,, فالنسبة واحدة,,.
ترى هل يمكن أن يلطخ حينها الرشاش الدوّاميُّ الأرض أو يقضي عليها؟,,, تظل الأرض، ويظل البحر,,, لكن الذي يخسر هو الإنسان,,, إذ لن تغطيه دوامة الماء حين سقوط الشجرة لأن البحر سوف يلتهم دوّاماته,,, ودوائره,,, وقطراته,,, والخاسر الوحيد هو الإنسان.
فلماذا لاتكون مقاصده بنائية ، لا قضائية ,,, تبني ولاتقضي,,, كي تخضر الأرض بأشجارها وتروى ببحورها وأنهارها,,, ولا يكون هناك للقتل فأس ولا ترس,,, فكفى الحياة دواليب ساحقة، لكنه الإنسان,,, منذ المهد,,, وحتى اللحد.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved