لقد سعت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الى تأسيس وتشجيع قيام العديد من الشركات المساهمة لكي تكون القاعدة والبنيان الاساسي لعملية التخصيص التي عمت العالم, واصبحت ضرورة ملحة, ووضع لذلك القوانين والتنظيمات والضوابط التي تكفل حسن سير العمل في هذه الشركات لكي تؤدي الغرض الذي انشئت من اجله, الا وهو المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد وتحقيق المصالح المادية لمساهميها من خلال تحقيق معدلات ربحية مقبولة, وقد اندفع المواطنون بمختلف فئاتهم للمساهمة في هذه الشركات التي وجدوا فيها تحقيق غرض اساسي لمن يرغب الاستثمار في مجال بعينه اذا لم توجد لديه الامكانيات الادارية والمالية لخوض غمار ذلك, فتم تشكيل مجالس ادارات يفترض فيهم تنوع المشارب والخبرات لاثراء هذه الشركات من خلال صب خلاصة خبراتهم فيها, مع اختيار ادارات متخصصة قادرة على قيادة العمل اليومي لهذه الشركات.
وقد تم اصدار انظمة ولوائح لكي تحكم جميع الامور التنظيمية والتنفيذية لهذه الشركات من خلال نظام الشركات الصادر من وزارة التجارة, والانظمة واللوائح التي تصدرها هذه الشركات وتعتمدها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل تنفيذها.
ومن ضمن هذه القوانين والانظمة تحديد الحد الاقصى للملكية الفردية لهذه الشركات بما لا يزيد عن 49% من رأس مال هذه الشركات, اضافة الى تحديد عدد الشركات التي يمكن لاي فرد الانضمام الى مجالس ادارتها وكلا البندين السابقين قصد منه الحد من تأثير الافراد على توجهات الشركات على افتراض سلامة توجهاتهم وانما منعا لفرض اي آراء او توجهات شخصية قد تخطىء او تصيب، خاصة وان الميزة التي ينتظر تحقيقها، هي عمومية المصالح في هذه الشركات بتوزيع ملكياتها على عدد كبير من المساهين فبذلك تجمع بين الميزات المتوفرة في القطاع العام والخاص من خلال سعيها للربحية وخضوعها للرقابة من قبل الدولة وهذا هدف نبيل ولا شك يجب ان يسعى الجميع لتحقيقه.
والواضح ان النظام عندما وضع لم يكن هناك توقع بأن يبرز من رجال الاعمال من يكون لديه القدرة والرغبة في شراء اسهم اي من الشركات لكي تصل الى هذه المعدلات، التي تلغي الهدف الاساسي الذي وضعت من اجله هذه الانظمة، ومن ثم رمي ظلالهم على هذه الشركات وتعديل مساراتها الاستثمارية والتنظيمية احيانا, حتى ولو كان ذلك من منطلق الاصلاح الذي يراه واحد أو اكثر من المستثمرين لان رأي الغالبية هنا قد تم تعطيله وهذا هو مربط الفرس, وفي بعض الاحيان قد تتجاوز القرارات حدود الشركة بالسعي الى دمجها مع شركات اخرى لتحقيق مصالح للشركة قد يراها هذا البعض من كبار مساهمي هذه الشركات.
والقرار هنا مهما كانت ايجابياته او سلبياته يبقى قرار القلة, وما على السواد الاعظم من المساهمين سوى القبول او الوقوف حيرى امام اي قرارات تتخذ في الجمعيات يدعمها كبار المساهمين, وطبعا وزارة التجارة في هذه الحالة لا تملك ان توقف تنفيذ اي من القرارات ما دامت قد اقرتها الجمعية العمومية العادية او غير العادية حتى ولو رأت فيها خروجا عن المنطق العام الذي تدار به هذه الشركات.
هذا اذا افترضنا حسن النوايا طبعا, اما اذا كان العكس فماذا يمكن ان نتوقع من تقديم للمصالح الشخصية وتحريف لانشطة هذه الشركات ودعم لقرارات بعينها للبعض على حساب الشركة، والحجة في ذلك رضاء الجمعية العمومية ومجلس الادارة عما يسير في هذه الشركات, مع اعتقادنا بان مثل ذلك قد لا يحدث في بلد مثل بلدنا حفظها الله من جميع الشرور.
ولقد برزت مثل هذه التوجهات في السنوات الاخيرة كظاهرة دعمها التوجه العالمي للاندماج ورغبة بعض المستثمرين في الامساك بزمام الامور في الشركات التي يعتقدون بضرورة تعديل مسارها او التي يعتقدون او ينتظرون في مستقبلها ما يدعو للسيطرة عليها, وحدث في بعض الشركات ان تملك فيها البعض واعيد تشكيل مجالس اداراتها وكبار موظفيها بطريقة او باخرى تبعه ثورة ادارية تنظيمية اصلاحية قد تؤتي ثمارها او لا تؤتيها, وحدث ان دخل كبار المستثمرين بنية دمج بعض الشركات مع شركات اخرى يرون المصلحة في دمجها معها وبعضها كان له اثر ايجابي كبير كان عائدة على المساهمين وعلى الشركة والبعض الآخر كانت نتائجه عكسية, المهم انها ايضا قرارات تبنتها القلة .
وهنا يأتي السؤال الذي يفرض نفسه, الا وهو الحاجة الى تقييم هذا التوجه, فهل يمكن اعتباره حركة تصحيحية توقف مسلسل الخسائر الذي عم معظم الشركات المساهمة ووضعها في المسار الصحيح السليم الذي يقودها الى الربحية ام ان الامر قد تغلب عليه مصالح الكبار وعواقبه تأتي على روؤس صغار المساهمين الذين مازالوا يجرون وراء حركة الاسهم داخل صالات التداول بمجرد ارتفاع السهم او انخفاضه, وكم وكم منهم من مني بالخسائر وراء الخسائر نتيجة هذا السلوك الذي ينقصه التروي والبحث وراء ارتفاع وانخفاض اسهم اي شركة من هذه الشركات, فهل يتطلب الامر تدخل اي من الجهات للحد من هذا التوجه او دعمه كحركة اصلاحية المهم انها ظاهرة تستحق الدراسة والبحث.
اما العاملون في الشركات المساهمة سواء مجالس الادارات او الموظفين فلا يملكون سوى الترقب والفزع عندما تبدأ حركة محمومة على اسهم شركاتهم خوفا من هذا القادم خاصة اذا كان له اي تحفظ على القائمين على هذه الشركة او تلك, وفي هذا الصدد فان لدينا نصيحة نود توجيهها لمنسوبي هذه الشركات على مختلف مستوياتهم بضرورة الحذر الشديد عند التعامل مع المساهمين خاصة الكبار منهم او اصحاب رؤوس الاموال، لان اي تصرف قد يغضب او يثير احدهم ويؤدي به الى شراء هذه الشركة ثم البدء بمن كان سببا في اثارته, وقبل ذلك محاولة عدم ابراز الجوانب المغرية في شركاتهم، والتي قد تدفع احد المستثمرين لشرائها, الا ان يأتي من يرى الدمج مثلا مع شركة اخرى وتوحيد اداراتها او من يرى احداث ثورة ادارية يرى ان القائمين على الشركة غير قادرين عليها.
المهم ان من يعمل في الشركات المساهمة يجب ان يعد نفسه لمثل هذه المواقف فقد يطلب منه التنحي لسبب او لآخر.
والله من وراء القصد .
* مدير عام شركة الجوف للتنمية الزراعية .