ثقافة العاصمة وبناء المفكر الواعي د, مسعد العطوي |
ثقافة الرياض المعاصرة هي تراكمية، لتوجيه رباني، ونهل من موروث عربي، واقتباس من حضارة إسلامية، وتعانق ثقافي مع حضارة غربية، وتلاحم مع واقع معاصر، وتوالد فكري من هذه الأمشاج، ومن هنا يجب ان يكون لهذا التطور الثقافي دوره في بناء الفكر المعاصر والفكر المستقبلي، ونحن ندرك ان مكونات الفكر متناثرة في هذه العاصمة، تماما كحضور الطبيعة في نظر الفيلسوف لكن الاشكالية اين الفكر وكيف نبني العقول المفكرة ذات المنهجية، وعلى ان تبني فكرا سليما من مواد البناء المتواجدة، ففكر اليوم في عالمنا العربي شبيه في اختلافه بالعمران المختلف الاشكال والاذواق في المدن، فلا مخططات مقنعة انما يرسم المهندس مايريده العميل او يقبس له من هذا، ومن هذا ويتم التشكيل في ساعات معدودات, وهذا المثل الحسي تماثله الحالات الاخرى الحسية والمعنوية، الاجتماعية، والاقتصادية والفكرية، والاشد فتكا الاعلامية، والتربوية فهي تؤخذ من نظريات جاهزة او تركب من مكونات منتزعة من هنا ومن هنا، تؤخذ جاهزة لبيئة جديدة فتحمل الغربة في تكوينها وتحمل اعباء قديمة يجب التحلل منها، او تحمل هواجس بيئة مغايرة، بل تحمل الفردية وانطباعة وتكوين مفاهيمه الذهنية وأمنياتنا ان نوجد مهارة فكرية لكل فرد نبنيها في عقلية أطفالنا، وتتنامى في الافراد، وتتلاقى في بناء الفكر الاسري والاجتماعي، وفي شرائح المجتمع العلمية كالاطباء والمهندسين، والزراعيين، بل والاداريين والتربويين او المهنيين، وسائر أفراد الامة.
ولعلها القضية المهمة التي نبتغي ان يتولد عنها الفكر المتطور في العاصمة فتكون هناك فلسفة جديدة لبناء الفكر اولا او لكيفية بناء الفكر، فهو مهارة لاتولد مع الطفل كبقية المواهب انما يقتبسها من طرائق التربية المنزلية والمدرسية والاعلامية.
والتفكير عملية تكاد تكون غريزية في الانسان ، فهو دائم التفكير في حالته اليومية، وفي غرائزه ، وفي أحلامه، وأوهامه، وامانيه، وتمر عليه كالسراب او كموجات البحر بلا فائدة فتأخذ على الانسان مساحات زمنية من عمره اليومي، وربما لا ينفذ منه شيئا او لايدرك، فإذا احتاج الى تطبيق عملي فإن يستورده من غيره، وليس لديه المقدرة التأملية لبناء فكري تطبيقي يتناسب مع كل قضية، مما يحتم علينا البحث عن غرس بناء فكري منهجي لأولادنا فليتأهب مفكرونا لبناء المنهجية الفكرية في مرحلتنا الجديدة التي تستطيع ان تقف مع التوجيه الرباني، وتقبس من الفكر السليم قديما وحديثا، مستوردا او محليا ممزوجا بالواقعية، مستطاعا لآلية التنفيذ.
* وعالم العولمة المعاصرة، وآليات البث المباشر ووسائل المعرفة الاجبارية وموجات الايدلوجيات، والحيرة في تقييم الفكر الطارىء، كل ذلك يدعونا الى بناء منهجية فكرية فردية اولا ثم مجتمعية ثانيا، لكي نميز بين الاشياء وندرك ما هيتها، وكيف نتعامل معها ونواجهها بعقلية قادرة على الاستيعاب وقبول الصالح ونفي الذي يستحق النفي.
* وقد تنبه كثير من المفكرين لبناء الفكر او لبناء العقل او لبناء الوعي ، وكذلك للمنهجية وألف فيها عدد من الكتب مثل الابداع، والتفكير الابداعي، مثل الفكر العملي ولكننا من منطلق مبادىء عاصمتنا الثقافية الرياض تتضح لنا مصادر اخرى لبناء المنهجية فمنها ما ورد من في نصوص قرآنية، وأحاديث نبوية، وكذلك ما تحدث عنه المفسرون واهل الحديث عرضا، وما اشار اليه المفكرون مثل الغزالي وابن قيم الجوزية وغيرهم الكثير، وسائر مصادر التربية الاسلامية وهي متفرقات وليست متجسدة تحت مباحث خاصة، ونرصد آراء المعاصرين من علمائنا وعلماء المسلمين وحصيلة التجارب في الامثال والقص ونقارنها بالنظريات المعاصرة.
* ويكون ذلك هاجس المنظرين التربويين والأبحاث الجامعية والرسائل العلمية والدوريات المحكمة، ولو وجدنا من الاثرياء من يمول المشروع لرأينا نتاجه في سنين قليلة.
* ولكن لاينبغي علينا تأجيل الاخذ به حتى يكتمل المشروع وانما نأخذ بما ندرك اليوم فيكون هاجس الاب في اسرته، وعمله ليكون قدوة، وكذلك هاجس المدرس في مدرسته، والاستاذ في جامعته ومحاورته مع طلابه.
ويكون هاجس الفنان في مسرحياته،وهاجس الاعلام في برامجه,, ان قضايا اليوم الفكرية لا تقوم على فردية فيلسوف او مفكر، انما تقوم على عمل جماعي ، فالامة في عالم هائج متسارع الموجات تهب عليه العواصف، وتجرفه التيارات إذا لم يقف على قاعدة صلبة ليدرك كيفية التعامل مع القضايا ومن ثم اتخاذ القرار.
* ونحن نرى لمحات ومبادىء عند وزارة المعارف ولعلها تتبنى عقد ندوات تستمطر افكار المربين من منظرين، واصحاب خبرة وتجارب.
وسوف نجد مصادر كبيرة في رئاسة تعليم البنات ايضا في فكر المفكرات، والتربويات وكذلك قاعات البحث في الكليات، ولعلها تكون ميدانا للرسائل الجامعية في كليات التربية، بل حتى في الاقسام الشرعية عن طريق الاستنباط ورصد الآراء المتناثرة، واستقطاب آراء المفكرين والعلماء.
|
|
|