Saturday 19th February,2000 G No.10005الطبعة الاولى السبت 13 ,ذو القعدة 1420 العدد 10005



هذا الفكر قَدَرِي!!
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

لست أشكو الشتات الثقافي والعلمي اشفاقاً على تخصُّصٍ في حقل أكون مرجعاً فيه؛ فقد قلت كثيراً وأمللت: إن التخصص في أكثر من حقل، والتثقف العام في عدد من الحقول يولِّد حقلاً نفيساً هو علم العلاقات والمفارقات بين العلوم؛ فتكون الملكة العلمية.
ويعلم أحبائي وداخلتي الذين يرتادون مكتبتي ان لدي عشرات الموسوعات ما بين تأليف وتحقيق مر على بعضها حوالي ثلاثة عقود، وتنتظر اللمسات الأخيرة في معارف نقلية وعقلية,, بيد أن هذا الفكر الفلسفي المعاصر الفلسفي الصرف، وفلسفات بعض العلوم صرفني عن حقوق الأهل والولد والصديق، وعن حقوق الله التطوعية التي يقوم بها العلماء العبَّاد، وقد ولجت هذا الخضم مكرهاً لا مختاراً,, على أن أمنيتي أن يكون سميري الصحيحين والكتب الستة وفتح الباري والمحلى وتمهيد ابن عبدالبر واستذكاره,.
وأمنيتي أن اخذ الجزء الأكبر للعبادة كما يفعل العلماء العباد كالإمام أحمد وابن خزيمة وابن تيمية وابن القيم,,إلخ.
قال أبو عبدالرحمن: ولم يحن بحمد الله وقت العزلة بعد؛ فيلزم المسلم شعاف الجبال وسفوحها ويفر بدينه؛ فعلى كثرة العفن فكراً وسلوكاً على وجه المعمورة فالأرض عامرة بالخير؛ فثمة أقاليم جمهورها مسلمون ملتزمون، وثمة أقاليم غارقة في الوحل إلا أن في الزوايا بقايا,, وقدري التعبدي الفراغ لهذا الفكر، والإعطاء منه باليمين، ونفح التراث استراحات على مهل؛ ذلك أن الفكر الذي يهزم البشرية مسلمها ونصرانيها وعلمانيها في إنسانيتها، ويهزم بعض المسلمين في روحانيتهم: فكر مبرمج من قوى جبارة دعايةً وتضليلاً وتلميعاً وإرهاباً وترغيباً,, والكلمة المحققة لا تضيع وإن تأخر الإصغاء إليها؛ فليكن قدري التعبدي الإسهامَ في تزييف ما يُبلى به أبناء ملتي من تمويه,, إن كُتبَ قُوام الدنيا والآخرة من العلوم الشرعية تُزَاحَمُ بطرح فكري قوميٍّ يُفرغ العربي من الإسلام الذي هو شرط اعتباره، ويملؤه مسخاً كما في بعض فكر ساطع الحصري، والدكتور عصمت سيف الدولة، والدكتور صفوت حاتم، وكما في جميع فكر ميشال عفلق، وزكي الأرسوزي وهو فكر أنشأ دولاً عابرة ، وصلاح الدين البيطار، ونديم البيطار، ومحمد أحمد خلف الله، وحاطوم، وعبدالعزيز الأهواني، وجمال الدين حمدان، وياسين حافظ، واللواء محمد الجراح، وملحم كرم، وعبدالله الريماوي، وحسن صعب، وجمال الدين الاتاسي,, وهناك فكر ماركسي محنط مات عملياً ونظرياً، وبقي الولاء للعفن حميةً للماضي الخائب عند أمثال هاني الزعبي صاحب كتيِّب الذين يحضرون غيابهم ,, ويا ليته تذكر أنه من الذين يحضرون سقوطهم,, وبعد أن ضاق الناس بشطحات الأوائل كشطحات طه حسين، وقاسم أمين، وعلي عبدالرزاق، ومنصور فهمي، وإسماعيل مظهر,, ومن ورائهم أمثال مرجليوث,, ثم استجدت الشطحات ظاهراً وهي مبرمجة أساساً بلغة مفككة، وغمغمة فكرية لدى مدرسة أدونيس بالمشرق؛ فلما فقد هؤلاء جاذبيتهم هب لنجدتهم أدونيسيون من أقصى عالمنا العربي في أفريقيا,, إنه فكر مغاربي وأعني به بعض الشمال الغربي من أفريقيا نفق سوقه بعد سقوط أدونيس وأصحاب حوار ومواقف وشعر,, بل هو التفاف مغاربي غربي لم يراع حرية الأديان وحرمتها، وصار يجرح الإسلام وأهله، ويتكلم في حق الرب سبحانه بما يوجب حكم الردة لو كان للإسلام في بعض البقاع سلطان يحميه,, وشر هؤلاء فتحي بن سلامة المقيم بباريس طبيباً نفسانياً ومدرساً بكلية باريس السابقة، ومدير مجلة تجمع نخبة من الماسون عملهم بحث العلاقة بين الإسلام وأوروبا وقضايا الحداثة بمثل طرحه العفن في كتيبه تخييل الأصول/ الإسلام وكتابة الحداثة يدافع فيه عن الكاتب الآثم مؤلف الآيات الشيطانية مع هجوم غير موارب على الدين وتنقص للرسالة ومُنَزِّلها,, ويتناغم معه في بوق مبحوح شكري المبخوت الذي يُظهر التألم من استياء ذوي العلم والفكر من شطحاتٍ ورداتٍ لدى فرج فودة، وتسليمة نسرين، ونجيب محفوظ، والصادق النيهوم، ونصر حامد أبو زيد، ويوسف شاهين,, وبعض هؤلاء مغمورون ذكراً وعلماً، وإنما شهرهم التجديف,, ومن الفكر المغاربي كتابات علي حرب ولا سيما أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر/ مقاربات نقدية وسجالية ، وهو براءة من المذاهب والأصول؛ ليأخذ بحرية سلوكية لا فكرية راحته فيما يقول من سخام عن الإسلام وأهله,, وكذلك كتابه نقد الحقيقة,, وثمة فكر مغاربي أُحسن الظن بأهله: بأنهم لا يصدرون عن أيدلوجية منظمة للتضليل عمداً، ولكنهم أنفسهم مضللون بصيغة اسم المفعول ، فكان فكرهم عدائياً استفزازياً كثير المغالطة ربما عن غير قصد من أمثال أركون استاذ استاذنا الدكتور العرابي وطه عبدالرحمن والجابري,, ولا سيما ما يتعلق بالمنهج وتقويم الفكر العربي التراثي,, والأخير كتب بكثرة وسرعة تحتاج إلى سنوات تأمُّلٍ في أوقات نشاط ذهني، فأسفَّ واقتضب وغالط وسطَّح، وقد رأيت له في الكلام عن ابن رشد وعن الخلافة هذراً يُضحك الثكلى، ورأيت له في سائر كتبه تمعلماً في استعراض فكرٍ عربي تراثي على غير نسقه ومفهومه,, وثمة فكر لغوي أسلوبي وبنيوي وتفكيكي كابَرَ مسلماتِ اللغة، وملأ التنظير بتفاهات وزخم من الاصطلاحات في أوضح الواضحات لا يخرج منه قارئه إلا بالعقم العلمي، وذلك هو المزج بالريح,, بدأ هذا الفكر بأمثال فصول في علم اللغة من تأليف ف,دي سوسير وتعريب الدكتور أحمد نعيم الكراعين,, وهي خزعبلات عب منها ونهل جون كوهن، وياكبسون، وتودروف، ولوتمان، ولاكوف، وإديت كروزويل، وجورج مونان، وجاك دريدا، ورولان بارت، وفرانسواز أرمينكو، وليفين صمويل وتلقفها أمثال كمال أبو ديب، وحكمت صباغ الخطيب، وأمينة رشيد، وهدى وصفي، ومحمد ناصر العجيمي,, على أن الدكتور عبدالعزيز حمودة تصدى لبعض هذه الخزعبلات في كتابه المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك إلا أنه حشد معارف فلسفية حشداً مقتضباً غير مفصل,, التشويش فيه أكثر من الإفادة,, وهناك فكر ميتافيزيقي تكهني إزاء الحقائق الشرعية من أمثال الكتاب والقرآن للدكتور محمد شحرور، وماكتبه عبدالصبور شاهين عن أبينا آدم عليه السلام,, ولا تنس فكر العولمة، وصراع الحضارات، ونهاية التاريخ، ومخاوف القرن الحادي والعشرين,, وهناك صليبيون وماسون أظهروا الإسلام وكادوه واحتضنهم بعض الرموز ذوو الدراسات المعاصرة عن الإسلام وهمومه كالدكتور يحيى هويدي,, وقمة هؤلاء روجيه جارودي، وكتبه المعربة المضلِّلة زاخرة على قصر عمر علاقته بأهل الإسلام ,, أما الطرح الفلسفي الأجنبي فهو المتاع للنخبة الثقافية العربية المعاصرة، ولا يُعتبر رمزاً نخبوياً من لا يشحن كتاباته بمقولات فلاسفة الخواجات إن كتب عن اللغة أو التاريخ أو النقد أو العقائد,, ولقد أصاب فكرنا العربي بالخبال فلاسفة متأخرون من أمثال سارتر وياسبرز، فإذا بهم يتجددون لدى فلاسفة تمظهروا بالمسيحية واستبطنوا الإلحاد، وأُغرِي بهم النخبيون العرب من أمثال بول تلش، وكارل بارث، ورودلف بولطمان، ولقد أحسن الدكتور وهبة طلعت أبو العلا بفضح إلحادهم المتستر في كتابه جذور إلحادية في مذاهب لاهوتية ,, قال أبو عبدالرحمن: ولطالما استحثني أخي الأستاذ أبو عبدالرحمن إبراهيم البليهي للتفرغ الكامل لمثل هذا الفكر الذي يحز في العظم,, وها أنذا أصرف نشاطي الذهني مكرهاً غير مختار لمتابعة التضليل في هذه المنابت على حساب مزاجي وعشقي لمباحث أخرى أميل إليها بالطبع,, يكرهني على ذلك أنه جانب تعبدي إذا صلحت النية، ووجد الاحتساب شبه مفقود، لأن الموجود منه لا يضارع القليل من ذلك الطرح التضليلي.
قال أبو عبدالرحمن: ولن أحرمكم في هذه العجالة من نموذج للتضليل اقترفه علي حرب في كتابه نقد الحقيقة من سلسلة النص والحقيقة,, يقول عن إحدى القراآت للنص أيِّ نص : والقراءة الحرفية هي قراءة أهل الظاهر، وهم المتمسكون بحرفية النص، الممسكون عن التفسير والتأويل,, وأهل الظاهر يرون أن لا وجه في النص إلا الوجه الظاهر، وأن اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحداً؛ فالمعنى على هذا الرأي ظاهر بذاته، بيّن بنفس العبارة التي تُلي أو كتب بها، ولا يحتاج إلى شرح أو تبيان,, ومجمل القول فالنص بحسب هذه النظرة تنصيص على المراد، والمعنى صريح، والقول محكم، والقصيد جلي واضح (1) .
قال أبو عبدالرحمن: هذه الأسطر القصيرة مشحونة بالتضليل، وإليك تعدادها:
أولاً: نسب إليهم أنه لا وجه في النص إلا الوجه الظاهر,, وهذا غير صحيح، بل النص عندهم يحتمل كل ما دلت عليه اللغة مفردة وصيغة ورابطة، وكل ما دل عليه التركيب نحواً وبلاغة وفكراً ومعهوداً,, وإنما يقولون نأخذ من الاحتمالات مراد صاحب النص، وهو ما قام البرهان على أنه الظاهر.
والقول في هذا هو القول في الجملة التي كررها، وهي قوله: إن اللفظ عند أهل الظاهر لا يحتمل إلا معنى واحدا.
ثانياً: نسب إليهم الإمساك عن التفسير والتأويل!!.
قال أبو عبدالرحمن: إذن كيف ألفوا الموسوعات، وأشادوا مذهبهم الفقهي؟!,, إنما كان ذلك بالتفسير الذي يحتمله النص بدلالة لغة العرب التي نزل بها الشرع؛ فلا ينقصون من معناه، ولا يزيدون عليه إلا ببرهان: من نسخ، أو عموم وخصوص، أو إطلاق وتقييد,, والتأويل عندهم هو صرف الكلام عن ظاهره اللغوي إلى معناه اللغوي الآخر غير الظاهر ببرهان من خارج كما في قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ؛ فقد قام البرهان على أن التعوذ قبل القراءة، فصرفوه إلى معنى: إذا أردت أن تقرأ,, ولم يصرفوه إلى هذا إلا ببرهان تصحيح، وهو غلبة استعمال صيغة إذا في هذا المعنى,, والصارف عندهم ضرورة عقل مستندها الحس أو الشرع أو مبادئ العقل الأولية والبدهيات المكتسبة.
ثالثاً: زعم أن الحرفية الظاهرية عندهم هي الجلاء والوضوح: بأن يكون النص ظاهراً بذاته صريحاً محكماً,, وهذا وهم شنيع لم يكن فيه بأوحد,, والواقع أن الظاهر ليس بهذا المعنى، بل قد يكون الظاهر مما لا يحصل إلا بوسائل من الاستنباط والبرهنة في الكلام المركب,, إن الظاهر عندهم جميع المدلول على مستوى المفردة والرابطة والصيغة بدون افتيات على لغة العرب بنقص من المعنى أو زيادة عليه,, والظاهر هو مراد المتكلم في الكلام المركب، وهو ما عرف يقيناً أو رجحاناً بوسائل الاستنباط كالنحو والبلاغة والمعهود وهو دلالة من مراد المتكلم خارج السياق أنه المراد، أو ما لا يحتمل الخطاب غيره بأي دليل تصحيح,, والظاهر أيضاً ما دل عليه العقل دلالة يستحيل تصور غيرها بدليل حسي أو بمعهود من صاحب النص.
رابعاً: أنه خلط بين ظاهر اللفظ مفردة، وصيغة، ورابطة ، وظاهر الكلام المركب، وظاهر مراد المتكلم,, وعلى هذا يكون ظاهر النص على صفتين:
الأولى: الظاهر اللغويُ النحوي والبلاغي، وهو جميع مدلوله إذا لم يقم برهان يصرفه.
والثانية: الظاهر الذي يريده المتكلم؛ لأن مراد المتكلم في الأغلب أخص من الظاهر اللغوي والنحوي والبلاغي، فما قام الدليل على إرادته فهو ظاهر برهاني.
خامساً: الأصل عند أهل الظاهر العموم، وهذا يشمل العموم اللغوي؛ فكيف سهل عليه أن ينسب إليهم القول بأن النص لا يحتمل غير وجه واحد,, ولكن بعض الكلام المركب يُحيل إرادة كل المعاني اللغوية للمفردة لكون الجمع بينها جمع تناقض أو تضاد، أو لكون التركيب دل على التخصيص، فإذا قلت: شربت من العين : عُلِمَ أن المراد الماء الجاري دون معاني العين الأخرى.
إن أهل الظاهر أمناء مع الفكر واللغة يُصِرُّون على أن كل قضية لا تعطيك غير ما فيها.
وقال هذا الحرب: ولكن القراءة الظاهرية تثير إشكالاً مفاده أن أهل الظاهر يرون رأيهم ويجتهدون في تقصي المعنى؛ حيث يزعمون أن المعنى منصوص عليه، ولا يحتاج إلى استخراج أو إعمال نظر؛ ذلك أن أهل الظاهر مكرهون على التعبير عن المعنى المراد.
أي المنصوص عليه بعباراتهم هم,, في حين أنهم يدعون أن المعنى لا يحتاج إلى صيغة غير الصيغة التي عبر بها عنه,, والتعبير عن المعنى المراد بعبارة غير عبارته الأولى إنما هو تعدٍّ على موضوع الألفاظ، وحرف للكلام عن مواضعه؛ وذلك أياً كان التقارب بين العبارتين، وأياً كان غرض القراءة ومرماها؛ لأن الألفاظ وبحسب ما يقرره أهل الظاهر أنفسهم إنما ركبت ورتبت للدلالة على معانٍ مخصوصة من دون غيرها؛ فإذا تبدلت تلك الألفاظ أو تغير ترتيبها: أدى ذلك بالضرورة إلى تغير في المعنى , (2)
قال أبو عبدالرحمن: هذا كلام متلعثم، وما فُهم منه فلا قيمة له إلا بمثال شارح من أصول أهل الظاهر، ولي عليه هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: أنه وصف أهل الظاهر بأنهم يرون رأيهم، ويجتهدون في تقصي المعنى,, ثم وصف هذا الوصف بأنه اشكال,, قال أبو عبدالرحمن: نِعمَ ما فعلوا,, أما أن هذا الفعل اشكال فدعوى لم يقمها ببرهان، ولم يبين وجه الإشكال فيه.
الوقفة الثانية: ادعى عليهم الزعم بأن المعنى منصوص عليه، ولا يحتاج إلى استخراج وإعمال نظر.
قال أبو عبدالرحمن: في هذا إجمال وكذب,, أما الإجمال فهو عدم التفريق بين اللفظ المفرد والخطاب، فاللفظ عندهم منصوص على معناه في اللغة,, وقد يكون معنى واحداً، أو معنيين، أو معاني كثيرة,, وأما الخطاب فمنه المنصوص عليه بجلاء، ومنه ما يحتاج إلى نظر واستنباط، ولا يُرَجَّح معنى على معنى بدليل ترجيح إلا بعد برهان التصحيح اللغوي.
وأما الكذب فدعواه عليهم أنهم لا يحتاجون إلى استخراج وإعمال نظر,, والواقع عكس ذلك، فالمعاني اللغوية يستخرجونها من كلام العرب، والخطاب المحتمل يُعملون فيه النظر ببراهين التصحيح والترجيح,, وهذا هو المحلى أمامنا مليء بالاستنباط والنظر.
الوقفة الثالثة: قال: ذلك أن أهل الظاهر مكرهون على التعبير عن المعنى المراد بعباراتهم هم !!.
قال أبو عبدالرحمن: هذا كلام لا يتحصل منه شيء في نقد الظاهرية,, فإن أراد أنهم يأخذون المراد ادعاء بعبارات من قبلهم ليست في الخطاب فصيغته لا تدل على ذلك، ثم عليه اقامة الدعوى بالمثال,, وإن أراد أنهم يستنبطون المراد ويُعَرِّفونه بعباراتهم هم فلا غضاضة في ذلك، ولا محيد لهم ولا لغيرهم عن ذلك؛ فكل عالم يعبر عن نتائج علمه بالعبارة التي تليق بأسلوبه الإنشائي,, على أن أهل الظاهر أهل ميزة في البلاغة وجمال الأسلوب,, والإكراه ها هنا لغو؛ لأن العالم يختار تعبيره ولا يُكرَه عليه.
الوقفة الرابعة: ومن اللغو قوله عنهم: يدعون أن المعنى لا يحتاج إلى صيغة غير الصيغة التي عبر بها عنه ,, ومع ركاكة هذا الأسلوب فهم لم يقولوا ذلك، وإنما يقولون: لا يفسر المعنى بغير دالة الصيغة اللغوية التي ورد بها، وعند معرفة المعنى فليعبر عنه المستنبط بأي عبارة دالة عليه.
ومثل هذا في الكذب زعمه أنهم يقولون: التعبير عن المعنى المراد بعبارة غير عبارته الأولى إنما هو نقد,, إلخ ؛ فهذا مغالطة متعمدة؛ لأنهم يقولون: لا يؤخذ المعنى إلا بدلالة التعبير الذي ورد به,, وتُكأَته في هذا التضليل أنهم يحرمون تسمية الشيء بغير اسمه، للتحلل من حكمه كتسمية الخمر بغير اسمها مما ورد النص بالمنع منه ، فهذا باب بالاعتبار الشرعي غير باب استخراج المعنى من اللفظ.
والوقفة الخامسة: أن التقارب بين عبارتين لا يُسوِّغ التعبير بأحدهما عن الأخرى؛ لأن التقارب اتفاق أوتشابه في شيء أو أشياء، واختلاف وتباعد في شيء أو أشياء، وإنما يتناوب التعبيران فيما دل على المعنى ذاته لا على المقارب له، وسبيل ذلك ألفاظ الترادف، والجمل المترادفة.
والوقفة السادسة: نسب إلى أهل الظاهر وحدهم أن الألفاظ رُكِّبت على معانٍ مخصوصة,, أورد ذلك على سبيل الاستغراب,, قال أبو عبدالرحمن: هذا هو اجماع أهل اللغة، وهو بدهية اللغة ذاتها وضرورتها، ولولا ذلك ما حصل البيان، وإلى مناسبة أخرى والله المستعان.
* الحواشي:
(1) نقد الحقيقة المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء / الطبعة الثانية 1995م ص9
(2) المصدر السابق 10

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved