من تجربتي الكتابية,, أدركت ان الناس لا يميلون الى الأمور والأفكار الجادة التي غالبا ما يستعرض بها بعض كتاب الصحف والمجلات,, واستشعرت ذلك من تعليقات الناس سواء في الصحف او في المجالس, والناس لا يحبذون الأشياء المحسوسة,, بل انهم يريدون شيئاً يرخي عضلات الوجه الحاد, ويهيىء المعدات للموائد الدسمة,, لأن الانسان اذا ما تعلق فكره بالأمر الجاد شغله عن كثير من المبهجات,, وحمله يومه وربما ليلته على انشغال فكره واضطراب مشاعره,, وقاده الى تفسيرات وتفصيلات تجعل رؤياه داكنة,, وساعاته مضطربة,, وفي الحقيقة ان هذه الرؤيا لدى كثير من الناس لها النصيب الاكبر من الصحة، خاصة في زمن جل اخباره الاعلامية: قتل وانهيارات وسرقات ونهب طائرات وتعد وضياع حقوق، وتسلط, حتى لقد اصبح شغل بعض الدول التي تدعي التطور الحضاري هو الكيد ورسم الخطط لعبودية الأمم الضعيفة وجرها الى الهاوية, فما بالك في مجتمع يتلقف هذه الاشياء صباح مساء,, ولا يدري ما نصيبه ومتى يكون حظه من هذه الظواهر المزعجة,, لذا كان الاحرى بالكتّاب المحاولة,, محاولة تسلية القارىء وحمله على نقل ما يقرأ للآخرين لأن الطبائع البشرية تميل الى ما يسلي وما يبعد الاضطراب والازعاج عن المشاعر والاحاسيس، وقد رأينا ان كثيراً من الشعراء المشاهير حفلت حياتهم بالمضحك من الشعر، والمثير للاحاسيس والمشاعر من الردود الشعرية التي خلدت مع الزمن، وكذلك الادباء,, فلم يبرز الجاحظ الا بعد تأليفه للبخلاء، والحيوان، وهما كتابان فيهما من العبر المضحكة والمسلية ما جعلهما يخلدان مع الزمن، ويخلد صاحبهما ايضاً, وكان الخلفاء والأمراء واصحاب الفضل يميلون الى استصحاب الظرفاء من الشعراء والادباء في روحاتهم وغدواتهم, وحتى في زماننا هذا نجد أن اصحاب الظرف والتسلية يجدون مكانة عند كثير من اهل الفضل والامراء واصحاب الرياسة لأن هؤلاء يتملكهم من الجد والتعب سواء في التجارة وتصريف الامور او في سياسة الناس وتحمل مشاكلهم ما يجعلهم يبحثون لدى هنيهات من اعمارهم عن الظرفاء واصحاب التسلية,, وهم كثر في زماننا وتروى عنهم كثير من الحكايات اللطيفة, وهم مشهورون بسرعة البديهة,, والذكاء وإلقاء الكلمة بأسلوب يلوي الآذان وليس الأعناق .
ايها الكتّاب,, حاولوا تطعيم زواياكم بما يحمل على البسمة وما يزيل الهم والغم عن القارىء,, تجدوكم ملء الاسماء والقلوب.
|