** آلاف الناس يبيعون قطعاً من أجسامهم وهم احياء يرزقون، الكلام بدا لسنوات وكأنه نوع من الاثارة الاعلامية لكنه الان مثبت بالوقائع وهي عديدة واقل مما حدث ولم يعرف بكل تأكيد انها تجارة سوق سوداء خاصة جداً وخفية جداً لانها بكل تأكيد غير شرعية وخصوصاً اذا كانت بغير ارادة اصحابها وغذتها عمليات خطف خاصة لا تهدف الى الابتزاز وكسب المال بل الى اقتطاع عضو حي من جسم المخطوف الحي لبيعه الى شخص آخر يحتاج الى هذا العضو ليبقى على قيد الحياة وهو قادر مادياً على دفع ثمن باهظ له، انها تجارة سوداء بالاعضاء البشرية الحية، والسلع فيها تأتي من البلدان البائسة الى اسواق البلدان الثرية.
في منطقة مدراس الهندية رجل بات معروفاً جداً في العالم بعدما باع احدى كليتيه بمبلغ عشرين الف روبية هندية اي حوالي الف دولار لينجو من الفاقة الخانقة التي يعيش فيها وهو يعلن اليوم انه على استعداد لبيع عضو آخر من جسده هو احدى عينيه، يعيش بكلية واحدة وعين واحدة حتى لا يموت جوعاً او يكاد يموت.
وفي فنزويلا رجل اسمه فرويلان جيمينز هاجر من الريف الفنزويلي وهو في غاية الجوع الى المدينة باحثاً عن لقمة عيش اي العمل، ولم ييأس من العثور على العمل انصرف الى ادمان الكحول لنسيان همومه وفي احدى المرات استفاق من سكره ليجد نفسه بلا عينين، لقد اختطف الى مستشفى ما حيث توفر طبيب جراح فانتزع منه عينيه الاثنتين لبيعهما لأحد الاثرياء الذي يعاني مرضاً في عينيه لاشفاء منه الا بالزرع.
على صعيد عالمي هناك سوق الاعضاء الحية وهي قائمة على عدد من البلدان البائسة وطلب في البلدان الثرية يبلغ آلاف الحالات المرضية التي تتطلب زراعة عضو حي كسبيل وحيد للمعالجة، ولان العلاقة بين العرض والطلب ليست مباشرة كما هي الحال في المبادلات التجارية المألوفة فإن الوسطاء يدخلون على الخط وفي طليعة هؤلاء بعض الاطباء.
احدى عمليات تهريب او بيع للأعضاء الحية في السوق السوداء اكتشفت في تركيا في اتجاه بريطانيا ومن الهند في اتجاه بعض بلدان الشرق الاوسط، ومن الفيلبين باتجاه اليابان، غير ان المسألة ليست كلها تهريباً، ففي مدينة بريم الالمانية وكالة تجارية تعرض على المحتاجين الى زرع كلية تأمين هذه الخدمة لهم مقابل انتقالهم الى موسكو لاجراء العملية ومبلغ يعادل حوالي ثمانين الف دولار.
الصورة في امريكا لا تختلف جوهراً لكنها ابعد مدى واكثر ايلاماً فقد سجلت الدوائر الامنية في العديد من بلدان المنطقة عشرات من احداث الخطف لبشر من اجل انتزاع بعض اعضائهم الحية، وقد اعترفت الحكومة المكسيكية علناً ان هناك اطفالاً مكسيكيون تم تبنيهم لأغراض غير شرعية اما للاستغلال في مجال العمل او الاستغلال الجنسي، او بيعهم لاستئصال بعض اعضائهم بهدف الكسب المادي وفي ريو دي جانيرو بالبرازيل انطلقت تظاهرة ضخمة احتجاجاً على اختطاف عصابات على علاقة مشبوهبة بأجهزة المخابرات ستة صبيان وقتلهم، ولم يتمكن الناس من تفسير ذلك القتل الا باقتطاع الخاطفين اعضاء حية من اجسام الاطفال المخطوفين، كما جرت اكثر من حادثة اختطاف اعيد بعدها المخطوفون وقد بترت اعضاء معينة تم بيعها.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تتم هذ العمليات، لان المسألة تستدعي تدخلاً جراحياً غير عادي، وفي اقل الاحتمالات غرفة جراحة مجهزة وكادراً طبياً مؤهلاً.
الجواب المعقول في هذه الحال ان المسألة لا يمكن ان تنفذ الا في اطار تنظيم ماء، وهناك بالتالي تنظيمات اجرامية على علاقة وثيقة بمافيات المخدرات، تملك ما يلزم لهذه التجارة من التجهيزات التكنولوجية والكوادر البشرية اللازمة ولهذه التنظيمات امتداداتها، ووكلاؤها بطبيعة الحال في اليابان والولايات المتحدة كما في اوروبا.
إن عدد الذين يحتاجون الى عمليات زرع يزداد باطراد في حين ان كمية الاعضاء المتوفرة لا تزال في حالة ركود بمعنى ان مئات الاشخاص في كل بلد اوربي ينتظرون حالياً قلباً او كبداً او كلية تزرع في اجسامهم غير ان عشرين بالمائة من هؤلاء قد يتعرضون للموت لان الاعضاء المطلوب زرعها لن تتوفر لهم كيف تتم تلبية هذه الطلبات عموماً في البلدان الاوربية؟
النموذج الفرنسي
لاشك ان فرنسا في طليعة بلدان العالم اعتماداً لعمليات زرع الاعضاء البشرية فمنذ عام 1976 اقرت الحكومة الفرنسية قانوناً لزرع الاعضاء البشرية يتيح للمستشفى استئصال عضو يمكن زرعه من جسم اي مريض يتوفى اذا لم يكن هذا المريض قد اعرب خطياً قبل وفاته عن اعتراضه لاستئصال اي عضو من جمسه بعد أن يفارق الحياة، اما المتوفون دون سن الرشد فيحظر القانون استئصال اي عضو من جسمهم بعد وفاتهم الا بموافقة اهلهم او الوصي عليهم في حالة غياب الاهل او وفاتهم.
وفي هذا الاطار يفرض القانون الفرنسي ان يبقى مصدر العضو المزروع مجهولاً، فحتى لو ارادات اسرة المتوفى الذي استؤصل احد اعضائه لغاية الزرع معرفة المستفيد من كلية او كبد احد اعضائها فلن تتمكن وفي الوقت ذاته لا يجوز للمستفيد من العضو المزروع معرفة اسم الشخص الذي يدين له ببقائه على قيد الحياة.
وقد حظرت القوانين الفرنسية التجارة بالاعضاء الحية وتدافع عن الفقراء الذين قد يخطر ببالهم بيع احد اعضائهم غير ان هذه القوانين ليست قائمة في مختلف البلدان الاوروبية، ففي ايطاليا مثلاً ليس هناك قانون ينظم عملية تأمين الاعضاء برسم الزرع والحاجة ماسة هناك جداً، وهنا لا يستغرب الفرنسيون قدوم الكثير من الايطاليين للافادة من عمليات زرع في المستشفيات الفرنسية، وليس هناك افضلية للفرنسيين فالخيارات تقوم على معايير طبية وصحية وحسب.
الواقع ان استئصال العضو من المتوفى ليس عملية سهلة، إذ تستأصل الاعضاء عموماً من المتوفين بعد غيبوبة طويلة، وفي هذه الحالة، يتم تحريك دورة دموية في جسم المتوفى بطريقة اصطناعية، فالدم يضخ في الجسم والاوكسجين يغذي خلايا الجسم الميت، وحتى صدر المتوفى يعلو ويهبط، كما لو انه يتنفس كإنسان حي غير ان مظهر الحياة الخارجي هذا خادع تماماً، فالشخص قد توفي فعلاً.
ومعظم الذين تستأصل اعضاؤهم ليحتفظ بها برسم الزرع هم من المتوفين بحادث اصطدام سيارة او المنتحرين الذين ينقلون الى المستشفيات على امل اسعافهم والمتوفون بحادث جلطة الدماغ وغالباً ما تكون اعمار هؤلاء دون الستين، ويستدل من الاحصاءات الفرنسية الرسمية ان 1064 عملية استئصال قد اجريت عام 1990 وربما كان ممكناً اجراء عمليات اخرى من هذا النوع غير الامر لم يحصل,, لماذا ,,, ؟
السبب المباشر هو ان الانعاش في المستشفى قد لا يتمكن دوماً من الابقاء على العضو حياً بعد الوفاة، فوفق الاحصاءات يفشل فريق الانعاش في 26 بالمائة من هذه الحالات، وبعض الفشل يعود لظروف العمل اي ان فريق العمل قد لا يكون جاهزاً للتدخل السريع لانهاكه بعمليات جراحية تجرى للاحياء، وربما لان التجهيزات الكافية غير متوفرة للاحياء وللاموات في نفس الوقت,, وهناك بعض حالات الاستئصال لا تجري بالنسبة الى المتوفين دون سن الثامنة عشرة,, بسبب اعتراض الوالدين وذلك في اربع حالات من اصل عشرة.
البحث عن حلول اخرى
بعض الحلول ارتأى زرع اعضاء مستأصلة من الحيوانات وخصوصاً من بعض القرود، وقد جرت محاولات من هذا النوع في السنوات الماضية اهمها عملية اجرائها عام 1984 طبيب جراح في كاليفورنيا الأمريكية زرع خلالها قلب قرد صغير في جسم طفلة تدعى بيبي وعاشت الطفلة بهذا القلب مدة عشرين يوماً غير ان جسمها لفظه بعد ذلك وتوفيت، ومع ذلك لا يبدو الافق مسدوداً على هذا الصعيد فالابحاث مستمرة للتغلب على اسباب لفظ الجسم البشري للعضو الحيواني المزروع.
ومن الافكار المطروحة اعتماد اساليب الهندسة الجينية لتوليد حيوانات تتلاءم اعضاؤها مع الجسم البشري وفي هذه الحال يتوفر مخزون ضخم من الاعضاء برسم الزرع، لكن فرصة من هذا النوع لن تكون متاحة في حال انها اتيحت الا بعد سنوات وتبقى محاولة اخرى هي زرع الاعضاء الاصطناعية، قطع غيار للجسم البشري من مواد مختلفة مثل السيراميك والكربون والبلاستيك، وهناك فرق ابحاث عدة تعمل جادة في هذا الميدان لتوفير عظام حوض اصطناعية وعظام للركبتين وأوعية دموية والياف وصمامات للقلب من مادة الكربون، غير ان القلب الاصطناعي لم يتح حتى الآن بقاء المرضى على قيد الحياة، فمن الصعب استبدال عضو حي متعدد الوظائف بآلة مهما كانت متطورة.
والمسألة اشد صعوبة بالنسبة الى البنكرياس والكبد، فكلا العضوين ينتج مواد عديدة تستجيب لاشارات عديدة تصدر عن الجسم، وهنا يحاول الباحثون انتاج قطع غيار هي مزيج من المواد الحية وغير الحية اي نظام خلايا قادر على تعويض العضو الذي يتوقف عن القيام بمهمته ولكون من مادة لا يلفظها الجسم البشري، وهذا النظام هو موضوع درسي بشأن غدة البنكرياس غير ان الباحثين لم يعثروا حتى الآن على مواد لا يرفضها الدم البشري, خلاصة القول ان عمليات الزرع ستظل مطلوبة وبازدياد على مدى عشرات السنوات المقبلة وفي الظروف الراهنة اقتصادياً وقانونياً ستظل عمليات بيع الاعضاء البشرية في السوق السوداء، وربما سيتزايد عدد الذين يبيعون اجسامهم بالتقسيط، والمعالجة المباشرة لهذه القضية تتطلب اولاً اعتماد الدول الثرية تشريعات انسانية لائقة كما هي الحال في فرنسا، وعلى صعيد آخر قد يكون مطلوباً تنامي اعداد الذين يتبرعون ببعض اعضائهم بعد وفاتهم لانقاذ حياة بشرية مهددة بالموت، طالما ان للحياة اولوية على الموت وللجسم الحي افضلية على تراب المقابر.
ملك خدام