هكذا هل المرأة نص سردي جميل فهد العتيق |
* أتساءل في كثير من الاحيان كيف يستطيع نقادنا الافاضل اهمال الكثير من النصوص الادبية المحلية التي تنشر الآن في الملحقات الادبية الصحفية، بالذات النصوص السردية قصصية وروائية.
لماذا توقف ذلك الزخم النقدي الجاد في الثمانينات الميلادية واوائل التسعينات عندما كان كم كبير من النقاد يقرؤون القصة والشعر نقديا بشكل حرك الساحة الادبية من جمود قديم، لدينا اكثر من عشرين ناقدا توقفوا هكذا فجأة عن مشروعهم الجميل، وظلوا في مكاتبهم ينتظرون صحفيا يسألهم عن قضية ادبية او ثقافية او اجتماعية ثم تنتهي مهمتهم عند هذا الحد.
هل مشروعهم الادبي والثقافي يتجاوز هذه النصوص الابداعية المحلية الطموحة.
هل قرأوا عشرات المجموعات الشعرية والقصصية والكتب الروائية المحلية التي صدرت منذ عام 1990م حتى عام 2000م، ام انهم قرأوها وتكاسلوا عن اضاءتها نقديا ام ان طموحهم الادبي اكبر بالتالي يتجاوز هذه النصوص الطموحة والجادة كما ذكرنا سالفا، اظن ان لدينا اسماء نقدية رائعة ومحبة للنص الادبي العالي القيمة لكن يظل السؤال لماذا لم نقرأ لهم منذ سنوات طويلة؟!
* والدكتور الناقد عبدالله الغذامي احد الاسماء النقدية المهمة في بلادنا، واسئلتنا السالفة توجه له ايضا، لكننا قبل ذلك نود ان نبارك له اولا على الجائزة الادبية التي حصل عليها مؤخرا وهي جائزة العويس للنقد الادبي، والدكتور عبدالله يستحق هذه الجائزة المهمة نظير جهوده النقدية الكبيرة التي اثمرت عشرات الكتب النقدية المهمة ربما كان آخرها كتاب المرأة واللغة وهو يتساءل فيه هل انحازت اللغة الى الرجل، وهل تم تذكير اللغة تذكيرا نهائيا,,؟ ام ان هناك مجالا للتأنيث؟! ويؤكد ناقدنا الكبير ان طريق المرأة الى موقع لغوي ابداعي لن يكون الا عبر المحاولة الواعية نحو تأسيس قيمة ابداعية للانوثة تضارع الفحولة وتنافسها من خلال كتابة تحمل سمات الانثوية وتقدمها في النص اللغوي لا على انها استرجال ، وانما بوصفها قيمة ابداعية تجعل الانوثة مصطلحا ابداعيا بازاء مصطلح الفحولة وربما هذه من اهم الاسئلة التي تطرحها دراسة الناقد والباحث الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه المرأة واللغة ، وهنا اضاءة سريعة لهذا الكتاب الذي يحتاج الى قراءة متأنية.
* في كتاب المرأة واللغة عبر الفصل السادس عن المرأة ضد انوثتها بلقطة للاديبة غادة السمان: ما اروع وما أسوأ ان تكون امرأة ، وهنا نجد ان الدكتور الغذامي قد اقترب من النص السردي ناقدا عن طريق كتاب غادة السمان عيناك قدري وعن طريق نص آخر للاديبة منيرة الغدير ورواية ذاكرة الجسد للاديبة احلام مستغانمي، ونصوص ادبية اخرى كان لكتاب المرأة واللغة دور في تعرفنا على رأي الناقد الغذامي فيها، واذن ها هي المرأة تعيد ناقدنا الى النص السردي بعد عناق طويل له مع النص الشعري,ومن خلال قراءة الناقد لأعمال غادة السمان استطاع اكتشاف نموذجين للمرأة، احدهما المرأة المثال ذات الجسد المرمري، التي تملك الرشاقة والاناقة والوجاهة الاجتماعية وهي سيدة المجتمع , والثانية هي الانثى التي تحبل وتلد وترضع، ذات الحليب المتصبب والبطن المنتفخ وتحمل كتابات غادة كراهية خاصة وسخرية لاذعة من هذا الانثى الثانية .
واذن ربما المرأة تزيد ولادة دون ولادة وتزيد جسدا دون جسد وتريد القلم والكتابة، غير انها لما تزل ترى ان الجسد المؤنث تركة من تركات الظلام الحالك وليس بعد مقبولا في زمن النهار الساطع, والمبدعة من تحبل باللغة وليست بعد من تحبل بالاطفال وينتفخ بطنها,, ثم يتساءل الناقد: ما الذي يوقع كاتبة ذكية ومبدعة مثل غادة السمان في مثل هذه الورطة الابداعية,, بأن يكون خطابها ضد انوثتها، وتكون اللغة وهي في البدء انثى ضد قرينتها المرأة؟ ويرى ان هذا يكشف حساسية انثوية بعيدة الاغوار تضرب في عمق العلاقات بين المرأة والمرأة وعن صورة المرأة عند نفسها.
هنا يرى الكاتب ان كتابة المرأة وغادة السمان نموذج لا تكشف عن قلق ابداعي حاد تتصارع فيه شروط الانوثة مع شروط الفحولة من حيث ان القلم لما يزل رجلا مما يجعل النموذج الذكوري هو المثال القائم ومحاولات التأنيث تواجه تاريخا من الاعراف والتقاليد الذكورية التي اختارت بطلات غادة السمان ان تحبها وكان هذا هو حلها للتعامل مع الهزيمة: سوف تنتصر على الهزيمة بأن تحبها, لكن احلام مستغانمي كما يرى المؤلف تحتال على السجّان الرجل وتتعامل مع اللغة في سبيل التحول من كونها موضوعا او مجازا لغويا، الى كونها فاعلة حيث تدخل تاء التأنيث على الفاعل اللغوي ويدخل الضمير المؤنث الى المرجع النحوي، وحيث تقلب المرأة اوراق اللعبة فتدخل الرجل معها في سجن اللغة ويتقابل المسجون مع السجان ويتبارى الرجل والمرأة في مناورة بين الانوثة والفحولة, ويعطي المؤلف رواية ذاكرة الجسد كمثال على هذا الانقلاب اللغوي.
* من اللقطات المضيئة في الكتاب رأي للمؤلف حول تحول المرأة من ثقافة الحكي الى ثقافة الكتابة: في وسط هذه الثنائية الظالمة، اللفظ والمعنى، تقع كتابة المرأة كمحاولة لغرس صوتها في المسافة ما بين فمها وأذن الرجل، تحاول كتابة هذا الصوت لكي تحوله من ثقافة الحكي الى ثقافة الكتابة وتعلن عن هذا الصوت في كلمات منيرة الغدير: سأبحث عن عين ماء، وصيغة اخرى للضوء، واسم لحصان عريق وعباءة,,، سأتوج ذاكرتي بصور اعناق خيول جامحة، وابدأ ما يشبه القراءة، اسمع اسمع، انه حفيف البنفسج يدخل متاهة اذنك، صوت شجرة ذات اغصان لا متناهية، صوت يخترق خزائن رأسك، يهرب من صوت الذاكرة، هل تسمع: انه صوت اذني ,ويرى المؤلف انه صوتها صوت الانثى يعبر المسافة من فمها الى اذنه ويتكون بلون البنفسج اي انه يتحول من صوت محكي الى صوت مكتوب ذي لون انثوي مطرز بآثار الدم: بنفسجي, على نقيض لون اللفظ الفحل الذي هو لون اسود وهو صوت ينطلق لكي يخترق خزائن الذاكرة، ذاكرة الرجل، وليس هو صوت امرأة واحدة لكنه ضمير يتحدث بلسان كل الاصوات التائهة وهي اصوات لملمتها الكاتبة ونمقتها لتشق لها طريق الحياة.
* هل نؤكد اخيرا ان المرأة نص سردي جميل، الشواهد كثيرة، والحكايات التي سمعناها في طفولتنا من جداتنا قبل ان نعرف الشعر عرفتنا على عالم الخيال وعالم الحكاية وعالم السرد، كل ما حول حياتنا وواقعنا قصة سردية طويلة تؤكد جماهيرية القصة والرواية على الشعر الذي تخصص في المنابر فقط، بينما تسير القصة معنا في بيوتنا وشوارعنا واحلامنا واسئلتنا، ولهذا يلجأ الكثير من النقاد الى شواهد من النصوص القصصية لتعزيز نظرياتهم النقدية، ولهذا ايضا تعزز في السنوات الاخيرة موقف النص القصصي والروائي بعد صمت الكثير من الشعراء عن الكلام المباح.
* نبارك للدكتور الغذامي جائزته ونأمل من نقادنا الافاضل العودة من جديدة للنصوص الادبية المحلية لمتابعتها واضاءتها نقديا تحريكا لسكون ساحة ثقافية تنشد الحركة.
|
|
|