ما زلت أذكر كل الحوارات التي دارت بيني وبين الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتي رحمه الله,, فقد ربطت بيني وبينه علاقة فكر وود,, فلم يكن يشدني في (ابوسما) غير فكره وشعره وحواره، سوى إنسانيته وأصالة معدنه,, ومن ضمن حواراتي معه,, كان يشيد ببعض الأسماء التي يعتز بها وقد كان لها اثر في حياته وبلورة افكاره واتجاهاته الفكرية, ولكنه يذكر بعض الاسماء التي يشعر بالفخر انها عربية,, وانها تؤكد نبوغ الإنسان في ارض الجزيرة العربية، ومنها تحديدا استاذنا الصديق الدكتور عبدالله الغذامي، وشهادة أبي اسماء لها وقع خاص في نفسي لما أكنه من ود وحب (لأبي غادة) فهو بحق مفكر نحترم فكره وأديب يشعرك بقيمتك وإنسانيتك بأدبه وناقد لا يجرحك بنقده ولا يغالي في مديحه لك, وهو على عكس الكثيرين ممن يحبون قلب طاولات الحوار، معتداً برأيه حقا، لكنه يحترم الرأي الآخر ويناقش حوارات الآخرين ويفندها بعقلانية وحسن منطق, ولعلي لا ابالغ ان قلت ان الدكتور الغذامي فتح لنا بأبحاثه ودراساته وافكاره ابوابا جديدة في النقد ونوافذ نحو الفكر الآخر لم تكن معروفة في ساحتنا الثقافية من قبل, فحين أصدر النادي الأدبي بجدة كتاب الدكتور عبدالله الغذامي المرسوم ب(الخطيئة والتكفير)، من البنيوية الى التشريحية، وذلك في عام 1984م استقبلت الساحة الثقافية والنقدية على وجه الخصوص استقبالا نقديا من قبل النقاد المفكرين, وكأن الكاتب، وهو كذلك، كان فتحا جديدا في الحركة النقدية حتى ان موجة من التفكير والقراءات كانت جديدة ومختلفة في صياغتها وسمات خطابها، وتأكد للجميع ان هناك نضجا في الوعي النقدي الجديد امتدت آثار حواره واسئلته الشائكة نحو منطقة الخليج والعالم العربي بأسره، وكان في ساحات الحوار فيها فارسا نبيلا.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فحين فاز الدكتور الغذامي بجائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج لأفضل كتاب في مجال التربية والعلوم والتقنية لعام 1985م عن كتابه النقدي المتميز (الخطيئة والتكفير) تجده اليوم يحظى بتكريم جديد يستحقه وهو أهل له فكرا وعطاءً وتميزا حيث فاز الدكتور الغذامي بجائزة العويس الثقافية لعام 1999م عن كتابه (المرأة واللغة).
الفكر التجديدي الذي يرتكز عليه استاذنا الدكتور الغذامي وتتجه اليه بوصلته، فكر فيه من النقاء والصفاء ماجعل التقليديين والحداثيين يجمعون على انه فاق زملاءه واختلف عنهم وسبقهم لأنه لم يتخل في مسيرته وتوجهه نحو المختلف والجديد عن جذور تراثه العميقة وإذا كان هذا القول لعلّامة الجزيرة الاستاذ الكبير حمد الجاسر فإن محمد العلي وهو من الذين يتعصبون لحداثتهم وتجديدهم أدرك ان الغذامي بأفكاره وتوجهاته النقدية قد اخترق الحواجز وتخطى الحدود حيث اصبح للأدب السعودي والأديب والمفكر السعودي حضوره المتميز والعطاء في الساحة الفكرية العربية.
والدكتور الغذامي يؤمن بأن ما ينطلق في توجهاته وأساليبه النقدية الجديدة يقوم في اساسه على التجارب,, لذلك جاءت ممارساته النقدية على المستويين التنظيري والتطبيقي مواكبة لحركة التطور والتحديث فهو يؤكد دائما ان تعامله مع النصوص يقوم أساسا على السعي للدخول فيها دخولا جديدا، فالأمور على حد تعبيره تتطور والأدوات كذلك إلا اننا لا بد ان نكون حذرين لكي نتجنب الأدوات التي لا توصلنا الى غاياتنا واهدافنا الحقيقية لجوهر التجديد.
كيف لا ننظر الى الغذامي نظرة تقدير واكبار وكيف لا نحتفي به ونحفد وهو الذي يحقق انتصاراته برمينا بأسئلته الواعية تارة ويشغلنا بأفكاره وتوهجاته تارات وتارات.
محمد علي قدس