بوح الوجبات الجاهزة ودلالاتها البعيدة إبراهيم الناصر الحميدان |
لو أن أحد الباحثين تفرغ لإحصاء الحوانيت القائمة في مدينة الرياض ودقق في الاعداد التي تتعامل بالمأكل والمشرب لوجد انها الاكثرية الساحقة وعلى قائمتها الأولى حجم المطاعم وخصوصا ذات الوجبات الجاهزة يليها عدد مغاسل الثياب، وهذا يعكس بصريح العبارة اننا تخطينا حاجب الاستقرار نحو الركض وراء شيء ما بفعل السرعة, وهذا يعني أن المنزل لم يعد يحقق ذلك المناخ الأسري الذي يربط بين افراده ويجعلهم يفتقدون بعضهم لفترات ليست محدودة وهو بذلك شبيه بالنهج الغربي الذي يتعامل أفراده عن طريق الهاتف، هذا التحول الاسري ليس من المفرح التباهي به.
فالمجتمع العربي إنما يقوم على ذلك الترابط المفقود في المجتمع الغربي بعد ان أصبح افراده غرباء عن بعضهم يعودون إلى منازلهم في وقت متأخر من الليل بقصد الايواء إلى اسرة النوم ثم النهوض مبكرا، وهذا الذي ذكرت ليس ضربا من الخيال,, إنما هي حقيقة يساق إليها مجتمعنا بالرغم منه لتدمير نهجه, ومن الواجب التنبيه إليها حتى لا تضيع الأواصر خلف سياج الانشغال غير المحدود.
فإذا كان الوالدان يأخذ كل واحد منهما مساره المنفرد فمن للأبناء بعد ذلك؟ الخادمة والسائق كلا,, وألف كلا, إن الوالدين هما اساس الاسرة فعليهما إدراك مسؤوليتهما الابوية الاخلاقية، والانشغال بالماديات لا يبيح ذلك النسيان المؤلم, فالمرأة التي تعتمد في وجبات أفراد أسرتها على الاطعمة الجاهزة ترتكب حماقة وخطأ لا يغتفر في تجاهل واجبها الرئيسي نحو الأبناء الذين يشكل اجتماعها بهم يوميا على وجبة طعام يتحقق فيها التشاور والاحاديث الحميمة عنصراً مهما من الترابط الأسري بحضور رب الأسرة مشاركاً أو قريباً من التواجد, بل إنه لمن المؤسف ان نرى بعض الشباب يحملون ثيابهم في عرباتهم الفارهة ويستبدلون الملابس في المقاهي أو الشوارع الضيقة, والأشد حزناً أن يتناول بعض الأفراد وجباتهم (السندويتش) في عرباتهم يقضمون الطعام وهم يركضون نحو تجمعات يمكنها ان تنتظر حتى يشارك أسرته وجباتهم.
أكرر بأن مثل هذه المظاهر التي أخذت تغزو مجتمعنا ليست بعلامة جيدة على مستقبل مطمئن على التماسك الاسري وإنما سوف تزيد من هوة التفكك العائلي وعلى كافة الحريصين على تماسك الأسرة العمل على التنبيه بكل الوسائل لرفض مثل هذه الممارسات ذات الأبعاد الضارة بقوة الأسرة وتضامنها.
|
|
|