شدو المسافة بين الدوار ودور النشر! د, فارس الغزي |
ما ان تنامى إلى أسماع صاحبنا خبر اختيار مدينة الرياض عاصمة للثقافة للألفية القادمة، إلا وشمّر عن ساعديه وقرر المساهمة في الاحتفال بتلك المناسبة الغالية.
تبلورت تلك المساهمة في هيئة كتاب يبحث في كنه بعض الجوانب المضيئة لتاريخ مدينته المفضلة: الرياض, مضى الزمن وصاحبنا يسابق الزمن استباقاً لليوم الموعود، وكله أمل في انهاء مشروعه البحثي هذا في أسرع وقت ممكن, وبالفعل، وبعد ليال ليست بملاح البتة، تحقق مراد صاحبنا وأنهى ما كان يسعى إلى انهائه,, لقد تحقق مراده؟! ,, هل قلت أن مراده قد تحقق فعلاً؟!,, آسف على سقطة القلم تلك ففي العجلة الندامة! كما يقال! ولذا دعوني أعيد عليكم صياغة ما أريد قوله مرة أخرى: في الحقيقة أن صاحبي هذا اعتقد ان مراده قد تحقق بمجرد أن أنهى تأليف كتابه: بمعنى آخر، اعتقد أن النطفة قد بلغت اشدها بمجرد أن تيقن من أن حاسبه الآلي قد حمل مسودة كتابه والمعنون، بالمناسبة، بعندما يتحقق الأمل! ، فقط ليكتشف صاحبنا أن أمله لم يكن سوى علقة! في رحم الآمال والأمنيات,, أو فلنقل في رحم المستحيل!,, كيف ولماذا؟! اقرأوا معي:
ذات يوم، استيقظ صاحبنا من نومه باكراً، وعلى غير العادة، لم يتناول وجبة فطوره وذلك لأن أمله، الذي ما برح يراود عقله لشهور وشهور، قد سد! نفسه, حث الخطى إلى أقرب دار للنشر وبعد لتٍّ وعجن مع مسؤول متعاقد، نجح أخيراً في حجز موعد مع سعادة القائم بأعمال صاحب السعادة، أو بالأصح السكرتير, تعاقبت الأيام والليالي ليتم اللقاء بعد شهر من أول لقاء! , وليخبره صاحب السعادة، أقصد صاحب دار النشر، أن هناك قنوات وقنوات لابد من أخذها في الحسبان قبل الشروع في مناقشة علمية كتابه هذا, انتشى صاحبنا وتهللت أساريره بمجرد أن سمع كلمة علمية وبدأ الأمل يراوده في رؤية أمله وقد تحقق! ولكن يا حليلك يا لكن! ، فلقد اكتشف صاحبنا أن المناقشة العلمية السابق اشتراطها! ليس لها بالعلم أي صلة!
ان صاحب دار النشر بالعربي! قصد مناقشة مدى جدوى هذا الكتاب تجارياً، مما يتطلب عرضه على لجنة تجارية وينك يا حراج ابن قاسم! وذلك قبل النظر في امكانية نشره, هنا تنعدم خيارات صاحبنا ليجد نفسه مضطراً لرفض شروط دار النشر وليبدأ رحلة البحث من جديد عن ناشر يهمه أمر الجانب الثقافي من هذا الأمر، ولكن، هيهات هيهات، فلقد اكتشف مرة عاشرة أن التجارة تحتل سلم أولويات شروط النشر, وبما أن صديقي هذا من فصيلة ما يصدق على الله يجي الراتب ليطعم زغب الحواصل! ، ناهيك عن تحمل تكاليف نشر كتاب من جيبه الخاص! لا يجد صديقي مفراً نفسياً! سوى الاسراع إلى أحد مراكز خدمات الطالب ليحصل على صورة من مشروعه البحثي باهداء نصه: إلى زوجة السراء والضراء,, أشهدك أنني طلقت النشر وشروط شريطية النشر الى يوم النشور! .
وبالنيابة عن صاحبنا هذا، ألا يحق لنا التساؤل عن الأوضاع المزرية والمواقف المخجلة والتي يجد من لديه موهبة الكتابة والتأليف نفسه في وسطها؟! أين حوافز الابداع في وسطنا الثقافي؟! لماذا تئن أرفف مكتباتنا بالغث والسمين مما ليس له أي نصيب من الثقافة والعلم، في الوقت الذي نرى فيه عملية نشر مؤلفات تحكي عن تاريخنا وخصوصيتنا ونهضتنا المباركة تجابه بالرفض بحجة عدم تجاريتها؟! بالمناسبة، أين جامعاتنا من هذا، وماذا عن شروطها الأخرى لنشر ابداعات هيئة تدريسها,, بجانب حب الخشوم طبعاً؟! , هل هذا هو سر انصراف الكثير من مبدعينا إلى النشر خارج حدود بلادنا مما يحرمنا بالتالي من الاستفادة من ابداعهم، بل مما قد يجعلهم عرضة للخضوع لشروط ناشر انتهازي لا يهمه أمر ما نحن عليه من واقع متميز حكاماً ومحكومين؟!
|
|
|