يتميز التوزيع العمري للسكان في بلدان إقليم الشرق الأوسط ومن ضمنها المملكة العربية السعودية بارتفاع معدلات الأعمار الصغيرة إذ ان ما يزيد على 60% من السكان هم دون الخامسة والعشرين بينما أكثر من 50% منهم أقل من العشرين من العمر حيث يتخذ الهرم السكاني شكل هرم قاعدته عريضة جدا وقمته ضيقه ويشكل المراهقون الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 سنوات و 19 سنة كما عرفت ذلك منظمة الصحة العالمية حوالي 23% من سكان العالم ويعني ذلك أن تعداد هذه الشريحة من سكان المملكة العربية السعودية يبلغ حوالي 4 ملايين نسمة بإعتبار أن سكان المملكة حاليا يبلغ 16 مليون نسمة, وظل المراهقون إلى عهد قريب جدا شريحة مهملة لأن المراهق أكبر سنا من أن يشمله طب الأطفال وأصغر سنا من أن يشمله طب البالغين وحتى في برامج رعاية صحة الأمومة والطفولة فهم لا يدرجون المراهقين في شريحة الطفولة لأن اهتمام هذه البرامج ينصب على الأطفال ما قبل سن المدرسة أي الأطفال تحت سن 6 سنوات ولا تدرج المراهقات في شريحة الأمومة لأن التركيز ينصب على الأمهات فيما يخص الحمل والولادة.
وقد بدأ الاهتمام بصحة المراهقين يتنامى ببطء ولكن باطراد حيث أدى ذلك إلى إقامة عيادات خاصة بالمراهقين في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وتكونت جمعية لطب المراهقين عام 1986م في الولايات المتحدة الأمريكية ويصدر عنها مجلة علمية متخصصة دورية هي مجلة الرعاية الصحية للمراهقين وأنشئت في بريطانيا جمعية مماثلة هي جمعية المهنيين لخدمة المراهقين تنشر مجلة خاصة هي مجلة المراهقة وقد أنشئ قسم خاص لصحة المراهقين في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وقادت هذه الجهود الجمعية الطبية الأمريكية إلى أن تعلن أن مجال طب المراهقين قد استوفى كل المتطلبات التي تجعل منه اختصاصا طبيا مستقلا، ودعم ذلك جهود المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية حيث عقدت العديد من الاجتماعات ناقش فيها الخبراء المختصون في هذا المجال كافة المشكلات والاحتياجات الصحية للمراهقين وأنشأت المنظمة بمقرها بجنيف برنامجا لصحة المراهقين بينما عقد مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لشرق البحر المتوسط عددا من حلقات المشاورة للخبراء في الإقليم لمناقشة جوانب صحة المراهقين وأوصى المشاركون باتخاذ الإجراءات الكفيلة بسد فجوة المعلومات في هذا الجانب في بلدان الإقليم وأوصوا باتخاذ التدابير اللازمة للوفاء بمتطلبات واحتياجات المراهقين الصحية من خلال خدمات الصحة المدرسية وبرامج رعاية صحة الامومة والطفولة المتوفرة في هذه البلدان.
ويجدر بنا في هذا المقام الا ننسى ما أولاه ديننا الحنيف منذ خمسة عشر قرنا من عناية عظيمة لتنشئة الأطفال وتربيتهم ودعوته إلى معاملتهم بالرحمة والعطف وقد نبه الآباء وأولياء الأمور بأن الطفل إذ بلغ العاشرة من عمره فإنه قد دخل مرحلة جديدة من مراحل حياته يحتاج فيها إلى رعاية أبوية تتسم بالمزيد من الشعور بالمسئولية حيث ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع، وذلك تشجيعا لأن تكون لكل منهم شخصيته المستقلة عن الآخر واحتراسا من أي تصرف غير سليم يبدر من أحدهم، كما أمر المراهقين والشباب بالعفاف ريثما يتزوجون حيث قال تعالى :وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله , وقال صلى الله عليه وسلم : يامعشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
إن الغرض من هذا المقال هو تسليط الضوء على صحة المراهقين حيث هي مشتتة بين جهات عديدة لا أطر محددة لها ولم تعط الأهمية التي تستحقها بالرغم من أن هذه الفئة تمثل شريحة عريضة من المجتمع هم مستقبل هذه الأمة وسندها إن شاء الله.
وفي هذا المجال فإنني أعني بالصحة ما عرفته منظمة الصحة العالمية بأنها حالة من المعافاة الكاملة بدنيا ونفسيا واجتماعيا وروحيا لا مجرد انتفاء المرض أو العجز
وكلنا يعلم يقينا مدى ارتباط صحة المراهقين بنموهم حيث تحدد إمكانياتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية ماذا يعملون وكيف يتصرفون ومع من يتزاملون ويتصادقون.
وكل هذه الإمكانيات والقدرات يحصل عليها التغيير كلما نما ونضج المراهق مما يعكس درجة الدعم الذي لقيه من الأسرة والمجتمع والفرص التي أعطيت له, ولأن العديد من أنماط السلوك التي يكتسبها المراهق في سن المراهقة ستستمر معه مدى الحياة وبذلك ستؤثر على صحته وصحة أجيال الأمة القادمة, لذا يجب أن نعطي صحة المراهقين الأهمية الكبرى على كل المستويات حيث يتعرض المراهقون إلى مخاطر صحية متعددة قد تؤثر عليهم تأثيرا عاجلا مثل الأمراض المعدية وسوء التغذية والحوادث والامراض النفسية أو تأثيرا آجلا مثل الأمراض القلبية الوعائية والسرطان , وتنجم هذه المخاطر والمشاكل الصحية عن نمط الحياة الذي ينتهجه المراهقون وعن وضعهم الصحي أثناء فترة المراهقة إضافة إلى ما يمكن أن تتعرض له ذرية المراهقين في حالة الزواج والحمل أثناء مرحلة المراهقة.
ويمكن تقسيم المشكلات التي يتعرض لها المراهقون أثناء المراهقة إلى عدة أقسام أولها ما يتعلق بمشكلات تخص فترة المراهقة نذكر منها مشكلات الصحة النفسية المرتبطة بالنمو النفسي والاجتماعي لهم، وثانيها مرتبط بأنماط حياة المراهقين التي تؤثر على صحتهم مستقبلا مثل الاستهلاك المفرط أو غير المتوازن للأغذية وقلة النشاط البدني والتدخين وكلها عوامل يتفاعل بعضها مع بعض فتؤدي إما إلى السمنة او الإصابة بالاضطرابات القلبية الوعائية ومرض السكري، وقسم ثالث يتعلق بالمشكلات التي قد تؤثر على ذرية المراهقين ومنها نقص وزن مواليد المراهقات وارتفاع معدل الوفيات بينهن قبيل الولادة وأثناءها وبعيدها إضافة إلى نقص معدل الذكاء لدى ذريتهن و يتعرض المراهقون والشباب بمعدلات مرتفعة نسبيا عن غيرهم نذكر منها الحوادث والإصابات وإدمان المخدرات والتدخين ومشكلات الصحة الإنجابية بما في ذلك أمراض الأمومة ووفياتها، ومشكلات صحة الأسنان، والتغذية خصوصا فقر الدم لدى المراهقات، وبعض الأمراض السارية ، ولا بد أن نركز على مشكة الفجوة في معارف وسلوكيات واتجاهات المراهقين تجاه صحتهم والعوامل المؤثرة فيها وكيفية استدراكها وتنميتها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح.
ومن خلال طرحنا السابق باستطاعتنا أن نلخص أهم التدخلات الوقائية لكثير من السلوكيات المرتبطة بالمشاكل الصحية للمراهقين في:
* وجوب توفير البيئة الآمنة الداعمة لهم سواء في إطار الأسرة أو المجتمع.
* تزويدهم بالمعارف والمعلومات عن كل ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية التي يمرون بها.
* مساعدتهم في بناء مهاراتهم للتعايش مع ما يقابلهم من مشكلات المراهقة.
* تقديم المشورة والنصح لهم عند الحاجة من خلال مختصين مدربين في هذا المجال يعملون في الأماكن التي يتردد عليها المراهقون.
* توفير الخدمة الطبية المتخصصة عالية الجودة للمراهقين من خلال الوحدات الصحية المدرسية والمراكز الصحية وغيرها من المرافق الصحية ذات العلاقة.
ويجب التركيز في ذلك على المزاوجة والتكامل بين التدخلات المختلفة المذكورة سابقا لأن المزاوجة بينها هامة حدا في تعزيز صحة المراهقين وتطويرها حيث ان التركيز على نوع واحد من تلك التدخلات لن يوصلنا إلى هدف الوقاية من المشاكل الصحية للمراهقين.
كذلك فإن من الضروري أن يفهم بأن هذه التدخلات في غالب الأحوال لن يستطيع تقديمها قطاع واحد أو مجموعة واحدة من الناس أو أن تقدم في مكان واحد فقط, ولذلك فإن التعرف على المجهودات المنظمة التي تقدم لتعزيز وتطوير صحة المراهقين في مختلف المواقع التي يتردد عليها المراهقون أو يعيشون فيها أو حولها أو يدرسون أو يعملون أو يمارسون أنشطتهم فيها مثل المنازل والمدارس والوحدات والمراكز الصحية وأماكن العمل أو حتى في الشارع أو الجمعيات الاجتماعية والعمل على تنسيقها وتكاملها ومستقبلا توحيدها بين تلك القطاعات جميعها يعتبر شيئا أساسيا لعملية تحسينها وتطويرها.
وفي مجال العمل المشترك لخدمة هذه الفئة أقترح على الجهات المسئولة عن صحة المراهقين ممثلة في وزارة الصحة والصحة المدرسية بكل من وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات بإنشاء لجنة مشتركة لتوحيد الجهود في مجال صحة المراهقين والعمل على تطوير المتوفر منها حاليا لتفي باحتياجات هذه الفئة كما أقترح إحداث تخصص لطب المراهقين في كليات الطب بالمملكة لتخريج المتخصصين لسد الاحتياج في هذا المجال.
* استشاري صحة الطفل