زخم تشكيلي بجدة تمازجت فيه ذاكرة الضامن وزهرة بو علي وتفرد الجريبي بجدليته |
* جدة مريم شرف الدين
حفلت مدينة جدة الأسبوع الماضي بزخم من المعارض التشكيلية، فجعلت ليل جدة يمتزج بعبق الابداع الذي تنشقنا عبيره في بعض أجزاء هذه المدينة الحالمة، فكانت بداية هذا الزخم,, (بجدلية) الفنان التشكيلي مهدي الجريبي ومعرضه الشخصي الثاني الذي جاء في مستهل هذه المعارض.
حاول أن يكون له طابع أخر خارج سرب الخطاب التشكيلي ومحاولة خلق حوار عبر هذه المساحة واختزال ابجديات يعانقها جنون الطفولة وتمردها من حدثية الفكرة المفعمة بالايحاءات والغموض وتدوين معادلات تتعارض مع الواقع والخروج بهذا المعرض عن المألوف وتجميع عدد من الطاولات وحقيقة خروج الجريبي الدائم عن هذا المألوف وتأطير احساس داخل وسائط ابتكرها هو لم تكن سائدة من قبل في الخطاب التشكيلي المحلي وخلق جدلية لا يملك فك رموزها إلا هو بمفرده لأن هذه المفردات لا زالت جديدة على المتلقي، بتجسيدها كذكريات الطفولة وتداعياتها التي فيها شيء من الجنون والتمرد البريء.
أما الفنانة زهرة بو علي فقد جاءت هي والفنان عبدالعظيم الضامن من الشرقية وخلق تمازج مع الذاكرة من خلال ذاكرة الأمكنة و (حوار الذاكرة) على الرغم من تواجد هذين المعرضين في مواقع مختلفة، أرادت زهرة بمعرضها الشخصي (حوار الذاكرة) استنفار كل اللحظات التي كانت وما زالت تربض في الذاكرة وايقاظها من سباتها الذي تولد في تلك الأمكنة واعطائها شيء من الدفء والبوح بأسرارها وأسرار مكنتها من استنطاق تلك الأحجار واحتوائها لها بأحاسيسها.
تفاصيل جسدتها ذاكرة الانثى وأتاحت الفرصة لكل هذا المخزون، تعاملت مع كل مفردة منها بأسلوب مميز وتجسد أعمالاً فنية قادرة على ايصالها إلى المتلقي الذي سرعان ما يتفاعل مع العمل ويتأثر به استطاعت من خلال هذه التجربة الطويلة في الفن التشكيلي أن تعانق تفاصيل الأزمة وتحويل صمت المكان وهذا الهاجس المسكون بالملل إلى مفردات فنية وايجاد شيء من التآلف بين الفكرة التي تهامست مع مخيلتها لتتحول إلى تكوين فعلي يلامس أرض الواقع قبل ملامسة فرشاتها له.
ارتحلت مع أسماء ووجوه ساجلت فيها تفاصيل من ذاكرتها المشحونة بالكثير من الذكريات ومن هذه الكلمات استطاعت ان تجسد كلماتها في الرموز التي تمثل إيحاءات الشعور الإنساني.
والأجمل من هذا أن يتمازج الإنسان كما ذكرت مع احاسيسه وفلسفته وإبداعه النابع من إحساسه ليكون هناك تفرد في البصمة، لأن يكون كما يرى هو وليس أن يكون كما يكون الأخرين أو يتشابه معهم في ملامحهم.
هكذا تحاورت زهرة بو علي مع ذاكرتها من خلال 4 مجموعات جمعت فيها بين السريالية والواقعية إلا أن مجموعتها التي جاءت بعنوان (بصمت) والمجموعة الأخرى (كلمات) كان فيها شيء من التميز سواء في قوة التكتيك ومفردات العمل والايحاء العام الذي أكد على ملامسة هذه الأمكنة لإحساس زهرة وهذا مما ساعدها في التعمق بشكل واع بتفاصيل العمل، أيضا استخدام الفنانة للون الأسود الذي جاء مغايرا لكل الأزمنة التي رسمتها في مخيلتها وكانت صوتاً آخراً.
ومن نوع أخر أيضا والذي استطاعت أن تدون به لحظات هذه المرحلة وتفاصيلها والتي تجسدت خلال مجموعة زهرة بو علي وبدأت برسم ملامحها منذ عام 93 حتى غرة الألفية الجديدة.
أما ذاكرة الأمكنة للفنان عبدالعزيز الضامن والذي جاء كنتاج تشكيلي فيه شيء من الثراء التشكيلي بعد 6 سنوات من الغياب، كان مسكوناً بحب البحر وزرقة الخليج الذي تولد من واقع تلك العلاقة التي ترسخت في داخله,, وربطت بينه وبين جزيرة تاورت، تعامل مع هذه العلاقة بروح الفنان والتفاعل مع كل الأمكنة التي اعطته هذا الحافز الأقوى ومنحته القوة الخارقة,, ليجد نفسه تارة بين قواربها البالية، وضلوعها التي أحس فيها بشيء من الاحتواء لذاتيته، والأبحار بذاكرته إلى أيام الطفولة,, ليهيم بين تداعياتها والانطلاق بين ازقتها الضيقة، رائحة البحر التي امتزجت بانفاسه التي ما زالت مسكونة بتفاصيل الأشياء التي ما زال فيها شيء من الصمود.
الضامن استطاع أن يصل إلى الهدف الذي يرغب في الوصول إليه وتوظيف العنصر الجمالي في اللوحة لصالح هذه الأمكنة والسكون الذي اعترى عدداً كبيراً منها واستحضار إحساسه وفلسفته الخاصة لأن روعة الفنان تكمن في تميزه وأن يجعل هذا التمايز سمة واضحة في أعماله لابد أن تكون له بصمته الخاصة، أعمال الضامن مثلت شيئا من النضوج التشكيلي الذي يحمل بين ثناياه الكثير والكثير من الطموح للتشكيل والفنان السعودي لأن هناك ابداع وطالما يوجد هذا الأبداع فهذا مما يعني أن الفنان له المقدرة على العطاء والتأني في الخطى وعدم تسارعها، هي من لها القدرة وحدها على استمرارية هذا العطاء والخروج بتجارب وأفكار جديدة وتكنيك عال من الممكن أن يشهد له ويشيد به الجميع.
|
|
|