البحرين وطن المحبة الذي يقصده الآلاف,, وقلوب أهله تستوعب الملايين تفاؤل بحريني بحل أخوي عاجل لمشكلة الحدود مع قطر بعيداً عن محكمة العدل الدولية |
*الجزيرة عبد الله المقحم
رغم حالة الحزن والالم التي خلفتها وفاة المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة باني نهضة البحرين الحديثة والذي وافاه اجله المحتوم العام الماضي,, الا ان البحرينيين لم تنسهم الأحزان والآلام مهمة مواصلة مسيرة البناء والتنمية التي أسس لها الشيخ عيسى رحمه الله منذ استقلال البلاد عام 1971م.
ولأن مسيرة بناء الشعوب والأمم لا تتوقف مهما كانت العقبات والصعاب فقد واصل الشيخ حمد بن عيسىآل خليفة وحكومته الشابة مسيرة البناء والعطاء والتعمير التي ارسى قواعدها الشيخ عيسىطيب الله ثراه.
ولأن دولة البحرين عاشت مؤخراً احتفالاتها بيومها الوطني الثامن والعشرين كانت الدعوة التي وجهت لجريدة الجزيرة للمشاركة في هذه الاحتفالات كممثل للصحافة والاعلام في المملكة,, كانت فرصة للاطلاع والتعرف عن قرب على ابعاد تجربة تنموية فريدة نفذتها البحرين خلال ثلاثة عقود فقط هي عمر الدولة الفتية.
وضمن وفد اعلامي عربي حضرمن مختلف البلدان العربية كان لي كممثل لالجزيرة ان اعيش اوقاتاً مفعمة بالفخر والاعتزاز سرني فيها ما تحقق لبحريننا العزيز من نجاحات كانت ولا زالت بعيدة عن التناولات الاعلامية رغم اهميتها.
ولعل مما اسعدنا منذ وصولنا للبحرين ما اعلنه وزير الاعلام البحريني السيد محمود المطوع في لقائنا الأول به عندما اعلن ان البحرين وهي تحتفل بيومها الوطني استطاعت ان تحقق المرتبة الاولى عربياً في مجال التنمية البشرية وذلك وفقا للدراسات والبحوث الميدانية لعام 99 والتي اعطت البحرين مركز الريادة في الوطن العربي في ميدان تنمية الانسان وتعليمه ورعايته صحياً واجتماعياً متفوقة على كل من سبقها زمنياً واقتصادياً.
ورغم الامكانات المادية المحدودة والأزمات الاقتصادية التي واجهت الدول النفطية عام 99 ومنها البحرين بطبيعة الحال الا انها قد استطاعت ان تحقق انجازاً آخر لا يقل عن سابقة وهو حصولها على المركز الرابع عالمياً في مجال الحرية الاقتصادية ومواءمة النظم الاقتصادية للاستثمار الاجنبي بعد كل كل من سنغافورة ونيوزيلندا وهونج كونج مما اعطاها الصدارة على مستوى الشرق الاوسط والعالم العربي في امكانية جذب الاستثمار الاجنبي وفي مختلف المجالات الاستثمارية.
ولعل ما لفت انتباهي كواحد من ابناء الخليج ما كشف عنه وزير العمل والشؤون الاجتماعية السيد عبد الله الشعلة في لقائه بالوفد الاعلامي العربي عندما اكد وجود ما يزيد على ستمائة عامل وموظف خليجي من ابناء دول مجلس التعاون يمارسون اعمالهم في القطاعين الحكومي والخاص البحرينيين وذلك وفقاً لتوجيهات بحرينية تؤكد اعطاء الفرصة للمواطن الخليجي ومنحه الاولوية في العمل لدى البحرين متى ما توفرت له امكانات الابداع والانتاج.
اما في مجال التخطيط من اجل المستقبل فلم تقف البحرين عند نجاحها في القضاء على البطالة وعدم وجود عاطلين عن العمل الا في حدود ضيقة جداً بل تعدى ذلك الى العمل من الآن على ايجاد فرص وظيفية لجيل المستقبل من صغار السن وذلك بطرح مشاريع استثمارية كبرى سيكون بامكانها استيعاب اكثر من اربعين الف عامل وموظف خلال السنوات الخمس القادمة وهو ما يفوق المعدل السنوي لدخول ايدي عاملة جديدة الى ميدان العمل والانتاج متخذة في ذلك اسلوباً متطوراً في مجال اعداد وتهيئة القوى العاملة من الشباب والحاقهم بميادين العمل عن طريق فتح معاهد التدريب ودفع الحكومة لتكاليف تدريب الشباب في القطاع الخاص قبل اكتسابهم للخبرة اللازمة وهذا ما بينته الارقام والاحصاءات التي اعدتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن انجازاتها خلال الفترة الماضية.
ولم يكن النجاح الاقتصادي والاستثمار المادي والبشري هو محور احتفالات البحرينيين بيومهم الوطني وابراز ما حققوه من انجازات في هذا الميدان بل ان التفاؤل بحل اخوي للمشكلة الحدودية بين الشقيقتين قطر والبحرين كانت محل اهتمامات الجميع وكانت الشعار الذي يؤكده كل مسؤول بحريني اثناء لقائنا به وعندما يأتي الحديث عن هذه القضية.
حيث يعلق البحرينيون امالا كبيرة على اللقاء الاخوي الذي سيتم منتصف شهر نوفمبر الحالي والذي سيدشن لقاءات اللجنة المشتركة بين البلدين الشقيقين برئاسة ولي عهدي كل من البحرين وقطر وذلك لبحث سبل حل الخلاف على الجزر البحرية والتي من المنتظر ان تعلن محكمة العدل الدولية حكمها النهائي حيالها في منتصف هذا العام ما لم يتوصل البلدان لحل ثنائي مقبول لهما قبل حلول ذلك الموعد,, وهذا ما عجل بلقاءات مسؤولي البلدين والذين يحرصون بلا شك على ان يكون الحل النهائي لهذا الخلاف وامثاله من الاختلافات داخل البيت الخليجي وليس من قبل محكمة العدل الدولية.
والبحرينيون وهم يحتفلون بيومهم الوطني هذا العام يعلقون آمالاً عريضة على لقاءات قيادات البلدين منذ الزيارة الهامة التي قام بها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر للبحرين وما تلتها من زيارة رد قام بها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة امير البحرين للدوحة وهو ما تمخض عنه اعلان انشاء لجنة عليا برئاسة ولي العهد في كل من قطر والبحرين لبحث امكانية ايجاد حل اخوي لهذه المشكلة التي ارقت كل خليجي حريص على توحد هذه الامة وازدهارها.
وقبل ان نودع بحرين المحبة كان لي والوفد الاعلامي العربي شرف لقاء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء والذي التقيناه ضمن برنامج الاحتفالات الوطنية حيث رعى المهرجان الثقافي وافتتح معرض الفنون التشكيلية والذي يقام سنوياً بمناسبة اليوم الوطني ولم تكن البساطة والتواضع التي قابلنا بها سمو الشيخ خليفة مثار استغراب بالنسبة لي كواحد من ابناء الخليج الذين عرفوا البحرين وعرفوا مصدر اعتزاز ابناء الخليج بشكل عام بحكامهم وأمرائهم الذين عاشوا ولا زالوا مع شعوبهم كالاخ لاخيه وكالأب لابنه,, ولكن كان ذلك اللقاء مثار اعجاب الزملاء الاعلاميين الذين حضر بعضهم حتى من بلاد اوروبية واجنبية والذين رأوا في تواضع الشيخ خليفة وبساطته ما يعجز عن وصفه اي مشاهد.
فسموه كان يقف مع الجميع صغيرهم وكبيرهم المواطن والزائر والمقيم ويتحدث معهم على حد سواء لا فرق لديه بين احد كان موقعه او مسؤوليته والجميع يتحدث اليه بعيداً عن الروتين او مسؤولية الحرس او وزراء الامير او معاونيه وذلك في نهج بحريني فريد قلما تجد له مثيلاً وهذا النهج من البساطة والتواضع يؤكد البحرينيون ان سمو الشيخ الراحل عيسى بن سلمان هو من اختطه ووضع الحاكم في صورة لا تختلف عن سائر مواطنيه وجعل سمو الاخلاق ديدنه وديدن اخوته وابنائه.
وفي البحرين لم نجد مديرين او كبار مسؤولين كما هو الحال في كل بلاد الدنيا فالمدير في البحرين هو من يقوم بأكثر الأعباء ويؤدي اكثر الاعمال اما المدير صاحب الابهة والمكانة الاجتماعية والمكاتب الفاخرة والسكرتارية وسكرتارية السكرتارية فلا وجود له في البحرين مطلقاً.
فالمدير والموظف وحتى الفراش والعامل الجميع زملاء ويجمعهم هدف واحد هو خدمة تلك الادارة التي ينتسبون لها ولا اسهل او ايسر من ان تلتقي بأي مدير او وزير وتطلب حاجتك وتوصل شكواك دونما روتين او ابواب مغلقة او مواعيد ومكاتبات.
فالانسان البحريني يتصف بالبساطة والتواضع وعدم الاكتراث بالمظاهر والمكانة الاجتماعية ولأن الشيء بالشيء يذكر واثناء زيارتنا لمبنى الاذاعة والتلفزيون البحريني فوجئت كغيري من الزملاء الزائرين بأن من كان يتولى فتح باب المبنى ويرافقنا منذ وصولنا لمواقف السيارات ويصحبنا الى مكتب مدير الاذاعة ويقدم لنا الماء ويعرفنا بزملائه وصغار موظفيه هو مدير الاذاعة نفسه والرجل الاول على رأس الهرم في هذا المبنى ومع ذلك فهو لا يحمل من هذا المنصب الا صفته العملية وما عدا ذلك فهو كأي عامل او موظف في هذا المبنى.
وما دعاني لايراد ذلك المثل ليس لأن مدير الاذاعة هو وحده المتمسك بهذا المبدأ المتواضع والبسيط بل لانها الزيارة الاولى لنا كوفد اعلامي لقطاعات الدولة ومراكزها والا فما تلى ذلك كان امتداد لهذا النهج الذي لم نره بهذه الصورة الجلية الا في البحرين، والتي لا فرق بين رئيس ومرؤوس ولا بين وزير ومدير فالكل مجند لخدمة الوطن والتفاني من اجله مهما كان موقعه او مكانته.
وقبل ان اختم مقالي هذه عن البحرين الشقيقة والتي اكتشفت ان لدى ارضها من الحضارات التاريخية ما يعادل حضارة الفراعنة والاغريق وحضارة ما بين بلاد النهرين وذلك من خلال حفريات اثرية عادت بتاريخ البحرين الى ما قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد وكانت تسمى ارض الخلود ثم (دلمون) الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند وانحاء جزيرة العرب.
اقول قبل ان اختم هذه السطور المتواضعة للحديث عن جزء مما شاهدته وسرني في بلدي الثاني البحرين ولأن الانسان يظل الثروة الحقيقية لأي وطن فان لدى البحرين واجهات مشرفة تمثلت في انسانه المتواضع المحب للآخرين ومن تلك النماذج المشرفة الانسان البحريني ومواقفه وطباعه الطيبة ما وجدناه من ادارة الاعلام الخارجي بوزارة الاعلام وعلى رأسهم المسؤول الاول عن استقبال ضيوف البحرين من الاعلاميين وتهيئة كافة سبل الراحة لهم والذي اجزم انهم سيهنئون البحرين على حسن اختيار مثل ذلك الشاب المتقد حماساً واخلاصاً وتواضعاً في هذا الموقع الهام وعلى رأس هرم الاعلام الخارجي البحريني.
انه سمو الشيخ خليفة بن عبد الله ال خليفة مدير ادارة الاعلام الخارجي والذي كان مثالاً صادقاً للانسان البحريني البسيط المتصف باللطافة وحسن الخلق وتقديم جل جهده ووقته لضيوف بلده ورغم انني اعلم برفض سموه ذلك الثناء الا انني وفي مجال ذكر بعض ما وقفت عليه في بلدي الثاني البحرين وودت ان اقدم الشكر والثناء لكافة ابناء هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعاً.
مقدرا ومثمناً باسمي وباسم جريدة الجزيرة اختيار الأخوة البحرينيين لالجزيرة للمشاركة في فرحة بحريننا الشقيقة بيومها الوطني متمنين لها دوام التقدم والخير والنماء.
وفي الختام فإنني اود ان انقل اجابة احد الاخوة الاعلاميين المرافقين لنا في الرحلة على استفسار زميل آخر عندما تساءل قائلاً: كيف يتسنى لدولة صغيرة المساحة مثل البحرين ان تستقطب كل هذه الآلاف من الزوار والسياح والمسؤولين العرب والاجانب سنوياً وان تحظى بكل تلك السمعة والمكانة الدولية وهي لا تمثل الا رقعة جغرافية بسيطة,,؟ حيث جاءت اجابته في نهاية الرحلة عندما قال: انني اكتشفت ان هذه المساحة الصغيرة قد حباها الله بأناس قلوبهم كبيرة تستوعب الملايين من الناس وهذا ما أدركه الاعلامي بعد ايام قلائل قضاها في بحرين المحبة والعطاء.
|
|
|