فاتني حضور ليلة الوفاء، لسعادة الأديب الفريق يحيى المعلمي، وذلك لارتباطي بعمل خارج مدينة الرياض، إلا أن الواجب يفرض علينا المشاركة في التكريم ولو بعد حين، وفاءً لاستاذنا وأديبنا وشاعرنا وفريقنا، الذي ولد وترعرع في زمن لم يكن للرفاهية وجود يذكر، لافي تهامة عسير وحدها وإنما في أنحاء متفرقة من الجزيرة ماعدا مدن الحجاز، لم تستقبله الأرض بزرابي مبثوثة من سندس أو استبرق ولم يأكل الطعام بملاعق الذهب من أيدي الحشم والخدم، بل عاش مثل أقرانه إن لم يكن في شظف من الحال فإنه في ستر من الله ذي الجلال، فخرُه عصاميةُ الرجال، وسؤدده العلم الذي بنى به بيتاً في التاريخ لايتهدم بمرور الزمان ولابتعاقب الاجيال، هاتان الخصلتان، العصامية في السلوك وطلب العلم من خلال الذات أوجدتا له مكانا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وحجزتا مقعده بين صفوة الرجال في عاصمة الثقافة العربية وجنادريتها، وقبلها البسته أعلى النياشين والأوسمة في ميدان العمل الأمني، وأوصله جهده وكفاحه وعطاؤه أرفع المناصب وأعلاها فجمع بين الحسنيين وجنى منهما شهد الفخر والعزة والكرامة, جاهد من أجل لغة الضاد ونافح الافذاذ من البلغاء واللغويين فضلاً عن شعراء النبط ودعاة العامية ودخل معارك أدبية لحماية نحوها وصرفها وعروضها وقافيتها فصال وجال وأخذ لها الحق من أدباء مناهضيها وانتصر لها في أمصارها التي عقها بعض أبنائها في لسانها، فكافأه مجمعها بعضويته لفعاليته وقدرته وجهاده وهو أهل لذلك, بنى عقله الثقافي بالقراءة الجادة، ومتابعة كل جديد، واستخدام علمه ومعرفته في تطبيقاته عمله فأبدع واتقن فكان له من رؤسائه التقدير والاحترام وكان له في مرؤوسيه التأثير القوي واستجلاب الهمم مما جعله بالنسبة لهم نبراساً يُقتدى به وقائداً مطاعاً يسترشد به ومعلماً صادقاً وأميناً ينتفع منه, تشرب الأمن من ينابيع معرفته فخرج منه حباً وعنباً وقضبا وأمناً، وماحل في موقع إلاّ وترك له أثرا حميدا سواء في نفوس العاملين أو في إجراءات العمل وأساليبه ونظامه وتنظيمه، بنى واسس وطور وجدد وصدق وأخلص فقطف ثمار علمه وعمله حباً وتقديراً واحتراماً وفخراً وعزاً وسؤدداً, هو في شخصه متواضع لطيف يفيض حباً ومرحاً، مؤنس لجليسه، حكيم في تعامله، متبسط مع من حوله، ليس فيه كبرٌ وتعالٍ وتباهٍ، إنما يظهر عليه وقار العلماء وهيبة القادة وعطف الآباء وسمو الاخلاق، فرعته قيادة هذا البلد بهذا التكريم الأدبي المعنوي الرفيع تزامناً مع مناسبتين كبيرتين قل أن تحصلا لغيره، ليس في نفوس أبناء بلده وإنما في العالم العربي والاسلامي وكثير من اقطار الشرق والغرب هما مناسبة الاحتفالات بالرياض عاصمة الثقافة العربية لعام 2000 واحتفالات الجنادرية السنوية، فهنيئاً له بماحصل له من سؤدد ومجد، وهنيئاً له على ما استحقه من تكريم وهنيئاً للعسكريين من خلاله، لأن تكريمه تكريم للعاملين الفاعلين في كل الميادين.
بارك الله له في بقية عمره، وأمده بالصحة والعافية وألبسه ثياب الستر ونفع به مجتمعه ووطنه ولغة أمته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* مدير المعهد العالي للدراسات الأمنية