العَربةُ,, ومسافاتُ الرُّؤية,,! إبراهيم عبد الرحمن التركي |
(1)
** أثبت التاريخ أن الثقافة الإبداعية ممثلة في تجارب الشعر والقصة والمسرحية والصحافة لم تستطع ان تطرح حلولاً تتمثل الواقع,,!
د, إبراهيم عبد الله غلوم
* * *
** الشعر هو الذي لا يقودك الى الدخل الثابت والمكان المعهود والمسلسل المشوق بين أفراد عائلتك.
محمد الماغوط
* * *
** فارق كبير بين تفسير الواقع للخروج من عثراته، وبين تأييد هذه العثرات بتصويرها في صورة العاهات المزمنة والإعاقات الطبيعية التي جعلت العجز تاريخيا,, .
د, محمد عمارة
* * *
(2)
** تأنَّ بخطوِك
إن رُمتَ وصلا,.
وأقلل غوايات
من رامَ سهلا,.
** دع الضوءَ ,.
لا تطفىءِ الوهجَ
الصاعدَ من
داخلِ
النَّفسِ
أو
ظاهرِ الهمس
واقرأ
رواية
من عزَّ
أصلا
ومن
قال
فصلا,.
* * *
(3)
** لم يجد سائقُ عربة الخيل المتوجعُ والمنفجعُ بوفاة ابنه مَن يبثُّ إليه حزنه من ركّاب عربته، فلجأ آخرَ الليل إلى جواده يقصُّ عليه مأساته,,!.
** هكذا روى تشيخوف لتبرزَ في حكايته صور الوحدة الصاخبة حين تكون مع الناس ولستَ معهم، وداخلهم وأنت خارجٌ عنهم، وباحثٌ عن الدفء مع ندرة المواقد .
** هل يصلح هذا مثلاً على المثقف المعزول أو المنعزل الذي ينفصل بمسافاتٍ ضوئية أحياناً عن مجتمعه ، وقد يضع اللوم عليهم إذا أصبح فيهم كما زعمَ أبو الطيب غريباً وسط أمةٍ تداركها الله به,.
** مشكلة المثقف لا تتصلُ بأبعادٍ معرفية قد ينالها شيءٌ من التسطيح أو التعقيد أو الهوى ، بل بمعرفة الحياة والتواصل مع الأحياء ,,,!.
***
(4)
** تحتاج المقدّماتُ إلى أدلّةٍ أو أمثلةٍ ، فالناس لا تقرأ المجرّد كما لا يستوقفها التنظير ,.
** ولنأخذ نموذجاً مختلفاً، من خلال (مالك حدّاد) الذي جمع بين الإطارين الرسمي (الأمين العام لوزارة الثقافة الجزائرية)، والإبداعي في كونه روائي الثورة في الجزائر الذي سجّل عنها الانطباعَ الأخير وصادرت فرنسا أعماله حولها، وتوالى نتاجُه في مجموعة من الروايات والكتابات الذائعة,.
** غاب هذا الرجل عن عالمنا عام 1977م، وفوجىء وارثوه أنه قد عاش دون غطاءٍ اجتماعي لتأمين نفقات علاجه قبل وفاته، وضمان حقوق مَن خلفه بعد ذلك,, ولم يشفع له سابقُ خدمةٍ أو تصدُّر عطاء ,,؟.
** محمد زفزاف روائي مغربي آخر لتمثيل المشكلة حيث يعيش منعزلاً في شقته المتواضعة بإحدى العمائر القديمة في الدار البيضاء وإن كانَ مرضُه قد لفت إليه بعض الأنظار لعلاجه، وتنظيم بعض الأمسيات عنه، وطباعة أعماله الكاملة,,!.
** أمين جياد شاعرٌ عراقي لا يُهِمُّ إن ظل مجهولاً بالنسبة لنا، فالأهمُّ أنه ألقى قصائد في أمسية شعرية ضمّنها أوراقه غير المعلنة عن الحرب ولم يستطع إكمالها، إذ دخل في نوبةِ بكاءٍ طويلة اضطرت مدير الامسية لإكمالها بالنيابة ,,!.
** علِّلوا كيفما شئتم ليبقى شكلُ المعاناة ومضمونها ظاهرين في عاطفة شاعرٍ لم يستطع تجاوز أزمته الخاصة التي ألبسها رداءً عامّاً وكان بإمكانه أن يقول في بلدِه ما أعياه خارجَها ,,!.
** مثلٌ رابع في الدكتور علي فهيم خشيم أمين رابطة الأدباء والكتّاب الليبيين وأمين مجمّع اللغة العربية، حيث يعيش معه زملاؤه أزمةَ فهمٍ وتفاهم لموقفه المُصِرِّ على مصادرة آرائهم والاستنجاد بالحجّاج بن يوسف لقطع أعناق عدد من الباحثين والمبدعين ، فهو فقط على حقٍّ، وسواه على الباطل .
***
(5)
** الأمثلة السابقة مستوحاةٌ من أخبارٍ منشورة حديثاً في إحدى المجلات العربية (الزمان الجديد/ ديسمبر 1999) ومعها نماذج مشابهة نقرؤها في أماكن متفرقة عن مثقفٍ قَعَدَ، وآخر تقاعد، وثالث أُقعد، ورابع اعتزل أو انعزل، وخامس وعاشر وألف أدركتهم معضلةُ الفاقةِ والمهانة والاغتراب ,,!
** وفي مقابل أولاءِ نفرٌ أثرى واستشرى وأضحى إحدى العلامات البارزة في واجهة الحدث الإعلامي والاجتماعي، دون أن يتكافأ رصيده الذهني مع حضوره الشخصي ,,!.
** قد تبدو هذه الأمثلة معبّرةً عن واقعٍ محسوس متصل بالشخص ، وثمة أمثلة أخرى تتعلق بالمعنى حين يقوم الكارتيل الأدبي الممثَّلُ بالشلّة بتجاهل بعض المبدعين او التعتيم على نتاجهم، وهي ممارسةٌ أزلية يلغيها التاريخ بعد أن يرحل الناقد والمنقود أو الممثِّل والجمهور ، والأدلة في هذا الإطار متعددة، فلم يحظَ ابن الرومي وأبو العلاء مثلاً بما حظي به أبو فراس وأبو الطيب ، كما لم يجد الرافعي ما وجده طه حسين ، ولم تلقَ منيرة المهدية ما لقيته أم كلثوم وسَعِد صالح جودت وأحمد رامي كما لم يسعد أمل دنقل ومحمد عفيفي مطر ,,!
** للإعلاميين أُسلوبهم في الإشهار او الإخفاء ، ولهم كما لغيرهم من الرسميين أهدافهم في إعلاءِ نفر وإسقاط آخرين، غير أن كل هذا يُدفن أو يبعث داخل عدالة التاريخ,,!.
***
(6)
** تراجعت الثقافة العربية من البؤرةِ إلى الهامش وأضحى البحث عن معنى عمليٍّ لحقيقة الثقافة أو دور المثقف أمراً أشبه بالعبث .
** قد تتقاطع هذه الجملة مع نجومية مجموعةٍ ممن ينتمون لعالم الكلمة الذين يتصدّرون، ويسيطرون ويبدو الشكل معهم موحياً بوجود فعليٍّ غير أنهم لا يمثلون أبعد من أنفسهم ومصالحهم ، وربما كان غيابهم هو الأجدر لتمثيل الحضور ,,!.
** هذه الإشكالية تكشف اختلاف المثقف عن الموظف ، ففيما يعلو الأخير بانتمائه إلى الهرم المؤسسي ويزداد قدرُه بارتقائه فيه، فإن الأولَ يتوارى بنسبة مكافئةٍ تتماثل مع تداخله في المنظومة الرسمية ,, وإن بدت ملامح شاذةٌ لإثبات القاعدة ,,!.
***
(7)
** في العالم العربي خلافٌ قد يصل الى حد الصراع يستتر أحياناً ويعلن حيناً بين الشخوص الثقافية الشعبية والرسمية وتختلط صورهم في أذهان الجماهير وربما تبادلوا عباءاتِهم بحيث يصعب التمييز ,,!.
** وغالباً ما يكتفي المثقف الشعبي بالانقطاع إلى عالمه الخاص درساً وبحثاً وينأى عن الظهور المكثف، والعمل الإداري بينما يُكثِّف الرسمي وجوده عبر مختلف المنابر ويسعى بقدر تداخلاته لتولي مراكز معيّنةً ينفذ منها الى عالم الأضواء والجاه والوجاهة ,,!.
** وإذ يبدو بلوغُ كلمةٍ سواء بين الفريقين مطلباً عسيراً، فإن المتضرر الأوحد هو التواصلُ الثقافي بين الجيل المعلِّم والمتعلِّم ممّا يُسهم في توسيع الهُوّة وفقدان الثقة وانتفاء المصداقية والبحث عمّا يُلهي أو يشوّش أو يثير !
***
(8)
** بمقدار ما نكون عقلاء في إدراكنا ومنطقيين في افتراضاتنا وواعين بالمتغيرات من حولنا، فإننا قادرون على وضع استراتيجيات ثقافية عربية تصنعُ الخطاب وتوصله، وتبرز الحقيقة وتستثمرها، وتضع الإنسان المناسب في مكانه ومكانته ,,!.
** تغيَّر الزمن وتبدّلت الوسائط ولم يعد مجدياً أن يستأثر نفرٌ بالقمة، ويرسب آخرون في القاع توقعاً لإفادة الأولين وسلبية أو ضرر الأخيرين فلا ضميرَ غائباً أو مستتراً أو محذوفاً أو مجهولاً في دوائر الفعل الثقافي المعاصر بعد أن أصبحت العلنية هي المشهد المسيطر على مختلف الفعاليات .
* * *
(9)
* هل الثقافة نظامٌ أم فوضى,.
* وهل الفكر وليد توجّه محدد أم توجهات,,؟
* وما الذي بقي من عمالقة الإبداع:
رسميّاتهم أم نفسيّاتهم .
** أسئلة تبحث عن محاورين ,, أمامَهم هذه الايحاءات:
** هل نعشق المتنبي من أجل مبالغاته أم بلاغته ؟.
** وهل نحبُّ في أبي نواس مجونه أم جنونه ؟
** وهل ندرسُ أبا العلاء من أجل حكمته أم عزلته ؟
** وهل أثّر فينا أبو فراس قبل روميّاته ؟.
** وكيف نقرأ ما خلّفه شوقي ,, بعين كرمته أم بعيون كرامتنا ؟.
** وأين هم المدجّنون (من بني يعرب) الذين خلوا فخلت آثارهم,,؟.
** واستفهامات أُخر قد يؤذن لها بالارتفاع ,.
** الواقع يبحث عن معتبر ,, فهل من مدَّكر,,,؟.
|
|
|