لماذا المراقبون والمحللون بعد هدوء العاصفة: فشلت الإدارات الأمريكية في حل قضية لبنان وجعلت جنوبه قنبلة موقوتة تنفجر بين فترة وأخرى؟ |
* واشنطن خالد عبدالكريم أ,ش,أ بيروت جاك ريدن رويترز
يرى بعض المراقبين ان الولايات المتحدة اعطت اسرائيل الضوء الاخضر لشن غاراتها المتواصلة على لبنان من خلال الاتهامات الامريكية شديدة اللهجة لحزب الله على انه المسؤول الرئيس عن تدهور الوضع الأمني.
وقد ظهر الموقف الامريكي جليا على لسان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت التي وصفت حزب الله بأنه عدو السلام واتهمته بالعمل على عرقلة العملية السلمية في المنطقة.
ولم يفت اولبرايت استدراج سوريا للازمة وتحميلها جزءا كبيرا من المسئولية حيث حثت دمشق على بذل المزيد من الجهود لكبح جماح التدهور الامني,.
ولم يكن جيمس روبين المتحدث باسم الخارجية الامريكية اقل حدة في وصفه لهجمات المقاومة اللبنانية بالفظاعة مبررا هذا الوصف بأن حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك اعلنت بالفعل عزمها على الانسحاب من جنوب لبنان.
ومع المساندة الامريكية الواضحة للهجمات الاسرائيلية الاخيرة على لبنان باعتبارها ردا على عمليات المقاومة اللبنانية التي اسفرت عن مقتل سبعة من الجنود الاسرائيليين واصابة 15 على الاقل، يرى المراقبون ان تصريحات المسئولين الامريكيين تصب في صالح مطالب الاسرائيليين بتعديل مذكرة تفاهم ابريل 1996 بصورة تسمح لقوات الاحتلال بحرية اكبر في الجنوب اللبناني.
ويدعم هذا التصور الانسحاب الاسرائيلي المفاجىء من اجتماع امس الاول الجمعة للجنة المراقبة الامنية التي تضم ايضا سوريا ولبنان وفرنسا والولايات المتحدة.
وبينما اغمضت الادارة الامريكية عينيها عن اصابة اكثر من 40 مدنيا لبنانيا في الهجمات الاسرائيلية الاخيرة التي تعد الاعنف خلال الستة الاشهر الماضية لم توجه واشنطن اي لوم الى اسرائيل لانسحاب وفدها من الجولة الاخيرة لمحادثات تفاهم ابريل بل على العكس حمل المتحدث باسم الخارجية الامريكية حزب الله المسئولية عن فشل الاجتماع واعتبر الخسائر الاسرائيلية التي اسفرت عنها عمليات المقاومة امرا متعمدا لتقويض جهود السلام.
وتصب المواقف الاسرائيلية والامريكية بقوة في خانة التكهنات التي تشير الى ان اسرائيل تعد لعملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان تعيد الى الاذهان عملية عناقيد الغضب التي شنتها اسرائيل عام 1996 واستمرت لمدة سبعة عشر يوما قتل خلالها اكثر من مائتي لبناني بينهم مائة تعرضوا لقصف اسرائيلي اثناء تحصنهم باحد مباني الامم المتحدة في لبنان.
ووسط المخاوف الدولية والاقليمية من تحول لبنان الى مسرح لعربدة اسرائيلية عسكرية جديدة يطفو على السطح فشل الادارة الامريكية في اعادة السوريين والاسرائيليين الى مائدة المفاوضات التي مالبثت ان جُمدت على الرغم من الامال التي صاحبت استئنافها في ديسمبر الماضي عقب جمود دام نحو اربعة اعوام بسبب التعنت الاسرائيلي حول وعود رئيس الوزراء السابق اسحاق رابين بالانسحاب الى حدود الرابع من يونيو 1967 والنقطة المتعين استئناف المفاوضات منها.
وكما دفعت حكومة بنيامين نتنياهو السابقة بالعملية السلمية الى هوة من الشكوك خلال سلسلة من التسويف والمماطلة تضع حكومة باراك المسار السوري على حافة الهاوية في وضعها العربة قبل الحصان عن طريق مطالبتها دمشق بتقديم ضمانات امنية والافصاح عن ثمن السلام قبل التعهد بالانسحاب من هضبة الجولان المحتلة منذ اكثر من ثلاثة عقود.
ويرى بعض المحللين ان النفق المظلم في لبنان لابد ان يؤدي الى ضوء في نهايته وان التدهور الامني في الجنوب اللبناني وتزايد اعداد القتلى والجرحى بين صفوف الاسرائيليين وهو ما يثير حالة من الغضب لدى الرأي العام في اسرائيل يمثل ضغطا على رئيس الوزراء الاسرائيلي باراك لتنفيذ وعده بالانسحاب من جنوب لبنان بحلول منتصف العام الحالي.
لكن اخرين يرون ان العمليات العسكرية الاخيرة في الجنوب اللبناني قد تدفع واشنطن الى التخلي عن كثير من مواقفها السلبية والعمل على وضع صيغة حقيقية وعملية لسلام بين سوريا واسرائيل وكذلك بين لبنان واسرائيل.
وبين الاراء القائلة بأن التطورات الاخيرة في لبنان تؤثر سلبا على العملية السلمية في الشرق الاوسط وتحليل البعض من ان التراشق العسكري في جنوب لبنان قد يعيد المفاوضين السوريين والاسرائيليين الى مائدة الحوار وشحذ الاذهان الامريكية لوضع التصورات السلمية محل التنفيذ تبقى هناك علامات استفهام حول فشل الادارات الامريكية المتعاقبة في وضع حلول جذرية لانهاء حالة التدهور الامني التي يشهدها الجنوب اللبناني منذ نحو 18 عاما بسبب الاحتلال الاسرائيلي والاكتفاء بمجرد التعامل مع هذا التدهور وتقديم اقتراحات تجعل من جنوب لبنان قنبلة موقوتة يمكن ان تعصف بالمنطقة بين فترة واخرى.
ويوجه العنف الذي نشب في لبنان بعد توقف محادثات السلام الاسرائيلية السورية قبل شهر تحذيرا للبلاد مما قد تتوقعه خلال الشهر المقبل.
واذا كانت الموجة الاخيرة من اعمال العنف والتي اسفرت عن قتل سبعة جنود اسرائيليين وادت الى تدمير اسرائيل لثلاث محطات للطاقة محاولة لانهاء الازمة في المفاوضات الا انها قد تدفع الاطراف ايضا الى مواجهة أسوأ.
وتقول سوريا انها لن تستأنف محادثات السلام الا اذا تعهدت اسرائيل بالانسحاب الى خطوط الرابع من يونيو حزيران 1967 وسيحرم ذلك رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود بارك من الاتفاق الذي يرغب في التوصل اليه قبل الانسحاب من لبنان.
وواشنطن حريصة على القاء الضوء على القتال الحالي وعلى استئناف محادثات السلام اذ تعلم ان امكانية خروج الامور عن السيطرة تزيد مع طول الفترة الزمنية.
ولكن ليس هناك تغيير معلن في موقفي سوريا واسرائيل فسوريا تريد ان تضمن اسرائيل عودة جميع الاراضي التي احتلتها في حرب 1967 بالكامل قبل استئناف محادثات السلام في حين تريد اسرائيل الحصول على ضمانات امنية وخطط بتطبيع العلاقات اولا.
وقال سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني الذي ابدى شكه في نوايا باراك حتى عندما كانت سوريا تتحدث بايجابية: ان المفاوضات وصلت الى طريق مسدود بحق.
وهذه اخبار سيئة للبنان.
اذا كانت اسرائيل محقة في ان سوريا تستخدم حزب الله للضغط عليها في محادثات السلام فلن يكون هناك ما يدعو حزب الله لتخفيف هجماته الى ان تستأنف المفاوضات.
واوضحت اسرائيل ان غاراتها الجوية على محطات الطاقة الاسبوع الماضي اشارة لما يمكن ان ينتظر لبنان اذا زاد عدد القتلى من جنودها في جنوب لبنان.
وتهدد اسرائيل بضرب لبنان ايضا اذا استمرت هجمات المقاومين في حالة سحب اسرائيل لقواتها من لبنان دون معاهدة سلام مع سوريا، وهناك جماعات اخرى غير حزب الله لسوريا نفوذ عليها.
ويشير مسؤولون اسرائيليون الى انهم يريدون توسيع تفاهم نيسان الذي جرى التوصل اليه عام 1996 بعد هجمات اسرائيلية اسفرت عن مقتل نحو 200 لبناني بحيث يسمح لهم بضرب البنية الاساسية.
وتسمح القواعد الحالية بشن هجمات على المقاومين الا انها لا تسمح بهجمات على او من اهداف مدنية مثل التي قصفتها اسرائيل الاسبوع الماضي.
وتتهم اسرائيل المقاومين بانتهاك التفاهم بشن هجمات من مناطق مدنية الا ان حزب الله تفادى اثناء القتال الاخير اطلاق صواريخ على اسرائيل وهو ما كان سيعتبر انتهاكا بالغا للتفاهم.
وقال جوكسيل لرويترز حزب الله ملتزم حتى الان بقواعد اللعبة في اشارة الى الهجمات المستمرة التي يشنها على جنود اسرائيليين وافراد ميليشيا جيش لبنان الجنوبي الموالية لاسرائيل.
واوضح ان حزب الله الذي قتل سبعة جنود اسرائيليين واصاب 17 وقتل سبعة من افراد جيش لبنان الجنوبي واصاب 11 اخرين منذ بداية العام الحالي يشعر انه ليست هناك حاجة لاطلاق صواريخ كاتيوشا على اسرائيل.
وقال جوكسيل ان المقاومين اجروا تقييما للوضع وابلغونا انهم يوقعون خسائر اكثر دون اطلاق الصورايخ ومن ثم لا داعي لاطلاقها .
واذا هاجمت اسرائيل البنية الاساسية اللبنانية ردا على هجمات المقاومين التي يجد الجيش الاسرائيلي صعوبة في مواجهتها فيعني ذلك خسائر بين المدنيين.
ومع تزايد القتلى بين الجنود الاسرائيليين وزيادة الهجمات على البنية الاساسية اللبنانية مما يعني المزيد من الوفيات بين المدنيين ومع اطلاق حزب الله صواريخ عبر الحدود الامر الذي يدفع اسرائيل لشن المزيد من الهجمات الثأرية فإن من الممكن ان ينتشر العنف بسرعة.
والقتال الحالي في لبنان قد ينظر اليه على انه مناورة في محادثات السلام الاسرائيلية السورية.
|
|
|