أول أمس انسحبت إسرائيل رسمياً من اجتماع اللجنة الدولية التي تراقب الحدود بين إسرائيل ولبنان بموجب اتفاق نيسان!
وأول أمس أيضاً أعلن راديو إسرائيل من تل أبيب أن الحكومة الإسرائيلية رفضت وساطة العاهل الأردني عبدالله الثاني بينها وبين سوريا لكي تستأنف المفاوضات بينهما وذلك خلال زيارة العاهل الأردني المرتقبة لإسرائيل في وقت قريب لم يُحدد بعد.
وكان فايز الطراونة رئيس الديوان الملكي الأردني قد صرح قبل ذلك بأن الملك عبدالله الثاني مستعد لمثل هذه الوساطة!
والسبب وراء الانسحاب من لجنة اتفاق نيسان، ورفض الوساطة الأردنية واحد هو هذا التوجه الإسرائيلي الجديد بشأن اتفاق نيسان نفسه إذ تريد إسرائيل تعديله، وتوافقها عليه الولايات المتحدة الأمريكية التي حمّلت المقاومة الوطنية اللبنانية مسؤولية العنف الذي يشهده جنوب لبنان منذ الأسبوع الماضي!
والتوجه الإسرائيلي الجديد بشأن اتفاق نيسان يهدف إلى اعطاء إسرائيل ما تسميه حكومتها حق التعقب ,, أي أن تسمح الحكومة الإسرائيلية لقوات الاحتلال في جنوب لبنان وأن تسمح الحكومة اللبنانية لهذه القوات بتعقب وحدات المقاومة الوطنية اللبنانية حتى العمق اللبناني من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن الشرق حتى الغرب، عبورا بالعاصمة بيروت إذا كان التعقب بريّاً، أو التحليق في سماء لبنان كله إذا كان التعقب عن طريق الغارات الجوية!!
ويوم الثلاثاء الماضي نسبت وكالات الأنباء لرئيس الأركان الإسرائيلي قوله إن إسرائيل قد تقوم بتدمير الطريق الدولية بين بيروت ودمشق إذا لم تفعل سوريا شيئاً يوقف عمليات حزب الله اللبناني الذي يقود المقاومة الوطنية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي!
إنه إذن المسلك الذي يمليه الطغيان الذي يعتمد به الطغاة على تبرير العدوان المسنود بالقوة العسكرية الغاشمة وليس بأي حق تاريخي أو قانوني أو أخلاقي!
وبمثل هذا المنطق ينقلب ميزان الحق وتسقط معايير العدالة، ليصبح الباطل حقاً والعدوان عدلاً على هذا النحو الذي مارسته وما زالت تمارسه إسرائيل ضد لبنان.
ولو لم ينقلب ميزان الحق، وتسقط معايير العدالة لما رأت إسرائيل ان الحق في الاحتلال، ثم الدفاع عنه بالعدوان على أصحاب الحق والأرض المحتلة دون أن ترى إسرائيل أن لقادة وحكومة وشعب لبنان نفس الحق في رفض الاحتلال، باعتباره عدواناً على السيادة الوطنية، والتصدي للعدوان بما يتوفر من إمكانات ذلك، وقد توفرت للبنان المقاومة الوطنية من أبنائه الشرفاء الذين أحالوا كل شبر محتل من أرض الجنوب إلى أتون مستعر يحرق جنود الاحتلال الذين يتواجدون فيه.
وإذا نظرنا إلى دعاوى إسرائيل التي تزعم بها أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وأنها الدولة الأكثر رعاية واحتراماً لحقوق الإنسان كما تصور نفسها ويصورها الإعلام الغربي، لتساءلنا: أين المبدأ الديمقراطي وأين رعاية واحترام حقوق الإنسان في إسرائيل ازاء عدم إنصات قادتها السياسيين والعسكريين لنتائج استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي أثبت آخر واحد منها (قبل ثلاثة أيام) إن 57% من الإسرائيليين يؤيدون انسحاباً سريعاً للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان حتى بدون توقيع اتفاق مسبق مع بيروت ودمشق؟!
كما نتساءل: أين رعاية إسرائيل للحقوق الإنسانية لجنودها الذين يتساقطون يومياً بين قتيل ومصاب نتيجة عمليات المقاومة الوطنية المشروعة قانوناً ووطنياً وإنسانياً وهم الجنود يجأرون بالشكوى مما يعانون ويطالبون قياداتهم العسكرية والسياسة بإخراجهم من مستنقع الجنوب اللبناني؟!
وأخيراً نقول ان للبنان المعتدى عليه من الحقوق ما ليس لإسرائيل المعتدية، وهذا هو منطق الحق والعدل.
الجزيرة