الانتخابات الإيرانية المقبلة هل تقود الإصلاحيين أم المحافظين إلى السلطة؟ فوز الإصلاحيين سيعزز علاقات إيران مع العرب والغرب,, وخسارتهم تعني عودة إيران إلى تكريس مبادئ الثورة |
* القاهرة عبدالواحد عاشور أ,ش,أ
تتجه انظار العالم الى ايران في الثامن عشر من فبراير الجاري حيث تجرى الانتخابات التشريعية الاهم منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 هذه المقولة يرددها هذه الايام العديد من المراقبين المتابعين للشأن الايراني، قد تكون هناك بعض المبالغة لكن لاشك ان نتيجة هذه الانتخابات سيكون لها انعاكستها على المنطقة بل على عودة العلاقات الدولية مع بداية الألفية الجديدة خاصة اذا استطاع احد طرفي المعادلة الايرانية الصعبة كسب جولتها بصورة نهائية.
هذه الانتخابات يسعى طرفان اساسيان لحسمها لصالحه اولهما التيار الاصلاحي الذي برز بانتخاب الرئيس محمد خاتمي بأغلبية كبيرة كانت مفاجأة للكثيرين حتى المراقبين للشأن الايراني أما التيار الثاني فهو التيار المحافظ الذي يمثل مرشد الثورة علي خامنئي قمته,التيار الاصلاحي يقدم نفسه برؤية مختلفة عن السائد في ايران منذ قيام الثورة وهي رؤية تعبر عن قطاعات كبيرة من الشعب الايراني خاصة النساء والمثقفين والشباب فهو يدعو الى الانفتاح والتعددية في اطار المبادئ الإسلامية والسعي الى علاقات متوازنة مع العالم العربي واوروبا بل والولايات المتحدة الامريكية والكف عن فكرة تصدير الثروة التي اتبعتها الثورة منذ قيامها.
أما التيار المحافظ فيرى في نفسه المنوط به الحفاظ على الثورة الإسلامية وان اي خروج على فكر الخميني تهديد للثورة وان ما يقوم به الرئيس محمد خاتمي يشبه الدور الذي لعبه الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف في القضاء على الاتحاد وتفكيكه ويقولون ان افكار خاتمي ما هي الا جلاسونيست وبريسترويكا على طريقته الخاصة.
الصدام بين التيارين الاصلاحي والمحافظ في ايران بدأ مبكرا وبعد فوز خاتمي بالرئاسة مباشرة لكن الطرفين حاولا قدر الامكان ان تكون النيران تحت الرماد فكل يخشى ان يخرج عن قواعد اللعبة السياسية فتنقلب المائدة على الجميع في ظل ما يعتبرونه تربصا من الخارج لكن كل منهما كان يستعد للآخر ويتحين الفرصة للايقاع بخصمه.
واستطاع التيار المحافظ ان يجد ثغرة تمكن بها من الايقاع بأحد رموز الاصلاحيين وهو غلام حسين كرباستشي رئيس بلدية طهران السابق وأحد اقرب المقربين للرئيس خاتمي عندما تم توجيه التهمة له بالفساد وسوء الإدارة وهو ما نفاه كرباستشي مؤكدا انه جمع اموالا من رجال الاعمال للصرف على اعمال خيرية وتجميل العاصمة وهو الامر الذي تؤكده قطاعات كبيرة من الايرانيين ايضا.
واودع كرباستشي السجن في مايو الماضي لتنفيذ حكم اصدرته محكمة ايرانية حيث يسيطر التيار المحافظ على السلطة القضائية بالسجن لمدة خمس سنوات والحرمان من الوظائف العامة لمدة عشرين عاما، ثم خففت محكمة الاستئناف الحكم الى سنتين والحرمان من الوظائف العامة لمدة عشر سنوات الى ان اصدر مرشد الثورة علي خامنئي عفوا عن كرباستشي نهاية يناير الماضي ليبدو الامر كله كأنه رسالة الى الاصلاحيين.
كذلك فقد اصدرت محكمة دينية خاصة يوم 27 نوفمبر الماضي حكما آخر على حجة الإسلام عبدالله نوري وزير الداخلية السابق وأحد رموز الاصلاحيين بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها خمسة آلاف دولار بالاضافة الى اغلاق صحيفة خوردات واسعة الانتشار التي يصدرها نوري بتهمة الترويج للأفكار المناهضة للإسلام والحض على الفساد وهي افكار الزعيم الديني الاصلاحي حسين علي منتظري الموضوع تحت الاقامة الجبرية حاليا وهو الحكم الذي اثار موجة من الغضب في الشارع الايراني خاصة بين شباب الجامعات.
الاصلاحيون من جانبهم حاولوا قدر الامكان الوقوف أمام المحافظين ولعل نجاهم في اسقاط مشروع قانون بمجلس الشورى بشأن تعديل نظام الانتخابات كان من شأنه ان يمنح منافسيهم فرصا كبيرة يعتبر كسبا لجولة مبكرة في اطار الاستعداد للجولة الفاصلة.
وعودة الى الانتخابات القادمة التي يرى الكثيرون ان الاستعدادات لها بدأت مبكرة ولا يفصلون في ذلك بين سجن كرباستشي ونوري وبين الانتخابات فكلها تصب في خانة واحدة ألا وهي كسب المعركة وبأي ثمن.
المعركة الاخيرة التي خاضها المحافظون قادها ممثلوهم في مجلس صيانة الدستور وهو المجلس الذي انشىء قبل عشرين عاما بدعم من الخميني حيث رفض المجلس ترشيح قرابة السبعمائة شخص من المحسوبين على التيار الاصلاحي للانتخابات القادمة بدعوى عدم استيفائهم للشروط الخاصة بالترشيح من بين قرابة السبعة آلاف مرشح.
وعلى الرغم من ذلك فإن الاصلاحيين يبدون متفائلين ازاء امكانية حصولهم على الاغلبية في مجلس الشورى الجديد البالغ عدد اعضائه مائتين وتسعين عضوا بزيادة عشرين عضوا عن المجلس الحالي بسبب الزيادة الديموغرافية ويقول الاصلاحيون ان عدد انصارهم الذين اجتازوا عملية اختيار المرشحين يكفي للحصول على الأغلبية في البرلمان المقبل وتمرير الاصلاحات التي يرغبون فيها.
كذلك فإن الرئيس خاتمي بدأ حملته الانتخابية مبكرا في محاولة لحشد الرأي العام لصالحه ضد المحافظين عندما دعا قبل شهر وجدد ذلك مؤخرا الشعب الايراني الى التصويت بكثافة في الانتخابات القادمة حتى وان كانت هناك بعض السلبيات في اشارة الى رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح عدد من الاصلاحيين.
ولكن على الرغم من كل ذلك يثور تساؤل هام ألا وهو,, هل باستطاعة التيار الاصلاحي فعلا تحقيق انفتاح في ايران في حال فوزه في الانتخابات القادمة,, هناك الكثير من المتحمسين او الذين يراهنون على فوز ذلك التيار ويؤكدون ان ذلك يعني استمرار نهج تحسين العلاقات مع الدول العربية ويدللون على ذلك بالتحسن الذي طرأ على العلاقات مع السعودية في ظل الرئيس خاتمي وزيارته التاريخية للرياض وكذلك زيارة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز لطهران.
وايضا التحسن الذي طرأ على العلاقات مع مصر وتمثل في الزيارات المتبادلة بين رجال الاعمال في البلدين وتنظيم المعارض التجارية في كل من القاهرة وطهران واللقاءات العديدة بين وزيري خارجية البلدين عمرو موسى وكمال خرازي وآخرها لقاؤهما على هامش اعمال المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس بسويسرا والتصريحات الودية من الجانبين وتأسيس الليبراليين في ايران مؤخرا لجمعية الصداقة المصرية الايرانية بهدف إعادة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها.
وحتى الولايات المتحدة الامريكية تراهن على فوز التيار الاصلاحي فها هي وزيرة خارجيتها مادلين اولبرايت توجه رسالة الى الشعب الايراني مفادها ان انتخاب الاصلاحيين سيكون له تأثير ايجابي على العلاقات مع واشنطن عندما قالت نحن نراقب عن كثب الانتخابات القادمة لتقويم فرص التقارب مع ايران.
ويرى المراهنون على ذلك التيار ان ابعاد الاصلاحيين عن السلطة سيكون له تأثيرات سلبية على منطقة الشرق الاوسط والعالم حيث سيعاود المحافظون اللعب بعدد من الاوراق من بينها ورقة حزب الله في لبنان لافشال عملية السلام في حال التوصل لاتفاق سلام بين لبنان واسرائيل وكذلك اعادة استخدام عناصر من المتطرفين لاثارة جو من البلبلة في المنطقة والسعي لاحداث قلاقل في منطقة الخليج عن طريق إعادة احياء افكار تصدير الثورة وانه لذلك يجب دعم الاصلاحيين ولو بصورة غير مباشرة وهو ما يحاول خاتمي وانصاره تجنبه خشية ان يأتي ذلك بنتائج عكسية وبما وضح من تصريحات خاتمي الأخيرة بأن نتائج الانتخابات ستكون دعما للسير في طريق الثورة.
أما بعض المتابعين للشأن الايراني فيرون انه حتى لو حصل الاصلاحيون على الاغلبية فإنه لن يستطيعوا فعل اكثر من تمرير بعض القوانين الهامشية الخاصة بالداخل دون القدرة الكبيرة على التأثير على علاقات ايران الخارجية لأن مقاليد السلطة في ايران مازالت تسيطر عليها هيئات غير منتخبة ويديرها ويتحكم فيها المرشد على خامنئي.
ولكن الشعب الايراني الذي يرى ان الرئيس محمد خاتمي اصبح يجسد آمال المرأة في مزيد من الحرية والفقير في مزيد من فرص العمل والمثقفين والفنانين في مزيد من حرية التعبير ورجال الاعمال في مزيد من اقتصاد السوق يدركون ان ذلك كثير على ان يفي به خاتمي وحده بل لابد من قوة دافعة قوية حتى لو تمت على مراحل قد تكون الانتخابات القادمة اولى حلقاتها,كذلك فالايرانيون يدركون مدى الصعوبات التي يواجهها خاتمي والاصلاحيون في ظل وجود معظم الهيئات الحكومية التي يسيطر عليها المحافظون حتى انهم يقولون على سبيل الدعاية ان النظام السياسي في ايران فريد من نوعه حيث ان الرئيس خاتمي هو في الحقيقة زعيم المعارضة,وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالشأن الايراني المعقد والذي دأب على تحقيق المفاجآت بدءاً من ثورة الدكتور مصدق في الخمسينيات ومرورا بالثورة الإسلامية في نهاية السبعينيات وانتهاءً بانتخاب خاتمي في نهاية التسعينيات فإن الانتخابات التشريعية القادمة في ايران سيكون لها انعكاساتها سواء على الداخل او الخارج.
|
|
|