الانقلاب الاقتصادي د, صنهات بدر العتيبي |
كيف يمكن احداث حركة اقتصادية شاملة تقلب موازين الوضع الاقتصادي وتفرض الانتقال الى حالة اقتصادية افضل وأقوى؟ الامر لا يحتاج الى عصا سحرية ولكنه يلتمس اعادة هيكلة اقتصادية توضح او ترسم مسارات جديدة وتعدل وترمم مسارات اقتصادية حالية ليصبح الوضع اقرب ما يكون الى مدينة اقتصادية فاضلة ايراداتها اعلى من مصروفاتها وصادراتها اكبر من وارداتها ومستوى التوظيف لديها مرتفع ولا تعاني من مشاكل كساد او تضخم وعدم ترشيد يا سلام !!
اعادة الهيكلة خاصة في الاقتصاديات النامية تشبه الى حد كبير الانقلاب لأن قواعد الاقتصاد ومساراته الاساسية اصلا تكون هشة فيكون التغيير الاقتصادي شاملاً وقد يمس بعض الاساسيات او الرؤى والتصورات او المبادىء والركائز الاساسية للاقتصاد.
لنأخذ مثلاً رؤيتنا الازلية للنفط كمحرك رئيس للاقتصاد, هذه الرؤية يجب ان نقلبها ليكون النفط رافداً من روافد الحركة الاقتصادية وليس المحرك الاكبر ولهذا الامر اهميته القصوى في توسيع وتنويع القاعدة الاقتصادية.
ايضا رؤيتنا لعلاقة الواردات بالصادرات يجب ان تنقلب, كنا دائماً نفرح عندما تزيد الصادرات وتنحسر فجوة الميزان التجاري ولكن لا نسأل انفسنا: ماذا يجب ان نصدر؟ والى من؟ وفي قسم الواردات هذا السؤال الحيوي لم يطرح من قبل: لماذا بعض انواع الواردات تسهم في قتل واضعاف بعض القطاعات الصناعية المهمة؟ سؤال خطير ؟ على سبيل المثال يعاني قطاع الصناعات الخزفية من مزاحمة المنتجات الهندية الرديئة والمنتجات الاسبانية التي تستفيد في بلدها من مزايا نسبية وتنافسية هائلة لعل اهمها الانتاج الكبير وتوفر العمالة الرخيصة والمواد الخام الخ, ومازلنا نتفرج على صناعات اخرى تترنح بدءاً بالصناعات الغذائية مروراً بالجلود وانتهاء بالبلاستيك والزجاج وغيرها,اسباب ضعف الصناعات الوطنية كثيرة اهما على الاطلاق عدم قدرة المنتجات الوطنية على منافسة المنتجات الاجنبية حتى على ارضها وأمام جماهيرها الوطنية؟!
حتى موقفنا من الايرادات والمصروفات لا يتوافق حتماً مع طموحنا الجامح ل النمررة الاقتصادية نسبة الى نمور , الآن وبالارقام يذهب جزء كبير من مصروفاتنا على رواتب واستهلاكات ومصروفات ادارية وأخرى تساعد العجلة على الدوران وهذه مصروفات تراها الدول الاخرى نثرية ,, وتولي الصرف الرأسمالي في بناء وتشييد المصانع والورش وخطوط الإنتاج اهمية اكيدة وأولوية قصوى, يبدو ان اقتصاد الطفرة الذي خدمنا لسنوات طويلة قد جعلنا نهتم بالصرف على الشأن الترفيهي او الرفاهية اكثر من الاهتمام بالامور الاساسية والانشاءات الرأسمالية التي تبقى لنا وللاجيال القادمة.
والخصخصة ودور القطاع الخاص هي الاخرى امور يجب ان نقلب رؤيتنا تجاهها, هناك من ينظر الى القطاع الخاص كمساند للحكومة وللخصخصة الحالية لتخفيف الضغط على الميزانية ولكن هذا كله يجب ان يختفي فالقطاع الخاص يجب ان يكون قائداً للمسيرة الاقتصادية خاصة المسيرة الصناعية والخصخصة يجب ان تكون اختياراً اساسيا لتوسيع القاعدة الصناعية واستغلال المزايا النسبية في طرق مجالات اقتصادية أوسع من مجرد تصدير النفط, الاقتصاد النفطي يتعامل مع سلعة قابلة للنضوب لذا يتحتم عليه ان يستخدم هذه السلعة في صناعات اخرى حتى يضمن الاستمرار في بحبوحة.
الانقلاب الاقتصادي ليس بالضرورة معجزة فقد حققته دول ومجتمعات ذات اقتصاديات عادية ولكنه يرتبط دوماً بالصناعة والتصنيع القائم على ميزة نسبية للبلد أو المجتمع ثم تنهض القطاعات الاقتصادية الاخرى بالتتابع, المعجبون بالتجربة اليابانية او الكورية والمتابعون لحركة التاريخ الاقتصادي في الثورة الصناعية في اوربا وأمريكا لا يملكون الا الإقرار بأن الصناعة هي ام الثورة الاقتصادية الشاملة والموفقة,
|
|
|