Sunday 13th February, 2000 G No. 9999الطبعة الاولى الأحد 7 ,ذو القعدة 1420 العدد 9999



شدو
ردة فعل وقراءة!
د, فارس الغزي

يقولون (علمياً!) إن تعامل المجتمع مع السلوك غير السوي يتحدد طبقاً لطبيعة اقترافه أجهراً كان أم سراً!,, وعليه، فقسوة المجتمع تصل إلى ذروتها مع مقترف السلوك غير السوي في حال قبض عليه مجاهراً به!,, هذا في الوقت الذي يفسح فيه هذا المجتمع هامشاً وتساهلاً تجاه من اقترف مثل ذلك السلوك ولكن بسرية!, بصيغة أخرى: مثال وتساؤل! : كلنا يعلم أن المجتمع لا يقرُّ ضرب الأزواج لزوجاتهم!,, ومع ذلك لك أن تتخيل ردة فعل المجتمع مع شخص قام باقتراف مثل هذا السلوك أمام أنظار الجميع عياناً بياناً؟! ,, هل ترى أن عقوبة هذا المجاهر سوف تكون أكثر حدة وقسوة مع من يعلم هذا المجتمع علم اليقين انه يرتكب مثل هذا السلوك ولكن بسرية وراء أسوار بيته؟!, ما هو سر اختلاف التعامل مع شخصين قاما بارتكاب نفس السلوك، وإن كان أحدهما قد اقترفه علانية والآخر سراً؟! حسناً,, ان السر يكمن في كون المجتمع من حيث يدري ولا يدري يرى في مجرد ارتكاب السلوك جهراً دلائل على تقلص نفوذه، وهنا، يعتريه الخوف من حقيقة ضعفه أمام تلك الجرأة ويشمُّ فيها نذير تهديد لوجوده، ولذا يبادر إلى اثبات وجوده بالتعامل مع الجاني بعقوبة صارمة,, إن الدافع المباشر لاستشفاف المجتمع لضعفه في تلك النقطة الزمنية من وقوع الجريمة يكاد يكون نفسياً في الغالب، وعلى الرغم من أنه ذو صلة بما حدث من سلوك غير سوي، فإن تلك الصلة تحتل المرتبة الثانية من حيث أهميتها, بمعنى آخر، إن ردة الفعل المجتمعية وحتى الآن تتعدى نطاق حدود ما حدث من قِبل المنحرف، أو كنه شخصيته، أو حتى التفكير بما يجب القيام به لردعه على المستوى الفردي, وذلك لأن المجتمع معنيٌّ الآن بما هو أهم: ألا وهو الخوف مما وراء الحدث وإلى أين سوف يقود، مما، بالتالي، يفرض على المجتمع التأكد، أولاً، فيما اذا كانت قدرته على السيطرة قد شابها أي ضعف, هنا تكون مهمة الجماعة اختبار وتقييم مدى امكانية البقاء على القمة من عدمها وذلك بالتأكد من أن شؤون التنظير والتأويل والرقابة والردع لا تزال سليمة, الآن وقد التقط المجتمع أنفاسه ونجح من اجتياز مرحلة التأكد من سلامة وتقييم قوته بامتياز، تبدأ اجراءاته في التعامل المباشر مع الحادثة على نطاقها الفردي، وبالتالي، البت بما هو مناسب للجرم وبما هو مناسب لمنع تكرار مثل هذا الجرم كذلك.
إن صرامة المجتمع في تعامله مع السلوك المرتكب جهراً يمكن اختزاله من خلال تصور قيام المجتمع ببعث رسالتين: أما الأولى: فهي رسالة من المجتمع إلى نفسه للتأكد من سلامة آليات: نحن الأقوى دائماً، ولا نزال الأقوى، وسوف نظل الأقوى! , والغرض من تلك الرسالة الذاتية هو قطع دابر أي تبعات سلبية قد تكون المجاهرة أحدثته على المستوى المجتمعي: الرسالة الثانية هي رسالة من المجتمع، كمجموع، إلى المجاهر، كفرد، ومفادها: كن على يقين أنك ضعيف وسوف تجابه بما يجعلك ضعيفاً وهنا يعاقب المجرم بما يضمن عدم تكرار جريمته، وبالتالي ردعه عن ممارسة أي شيء من شأنه التشكيك بقوة مجتمعه وسلامة آليات وجوده.
في المقابل، عندما يكون هناك سلوك يقترف بالسر، يلجأ المجتمع إلى التغافل عن مجابهته مباشرة طالما لم يتجاوز الحدود المرسومة له والتي من ضمنها عدم الجرأة بالمجاهرة, وذلك لأن المجتمع، وكما يرى في المجاهرة تحدياً مباشراً لسلطته، يرى في مجرد اللجوء إلى السرية دليلاً على ثبات قوته، وبالتالي، الخوف منه والخوف يمثل نصف ارعواء، وراعي النصف سالم! فيتنفس المجتمع الصعداء ويسوده الهدوء في التعامل مع أي حدث في طريقة ارتكابه اشارة طمأنينة إلى عدم حاجة هذا المجتمع إلى صيانة! وجود.
ومع ذلك، فهناك احتمال ثالث قد يؤثر على استراتيجيتي المجتمع السابق ذكرهما: هذا الاحتمال يتمثل في أنه في حال فشل المجتمع في السيطرة على أنماط السلوكيات المرتكبة جهراً، فلن يتردد في اثبات وجوده عن طريق تركيز وتكثيف حملاته وتشديد عقوبته على ما يرتكب سراً من سلوكيات غير مباشرة، فيبادر بترويج أخبار انتصاره، ويضيف عليها أخباراً مشبعة بالبطولة والاسطورة، وهكذا ومن خلال إلهاب الخيال,,، تتبلور رسالة انتشارها قمين بتعويض ما قد يكون فقده المجتمع من هيبة من جراء العجز على السيطرة على ما طاف على السطح من سلوكيات سلبية.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

الجنادرية 15

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved