أزاح ترشيح الرياض عاصمة ثقافية الغبار عن مشاريع كنت أظن أنها طمرت مع الثقافة التي أنتجتها، وأن المثقف في المملكة تكيف مع الواقع الجديد للثقافة الجديدة, واستوعب الدرس من التاريخ, ولكن مما يبدو أن بعض المثقفين السعوديين مازالوا على العهد، فهناك مطالب ثلاثة أظن أنها تحولت من مجرد مطالب ووسائل إلى عقيدة وهدف سام لا يغيرها التاريخ ولا يبدلها الزمان, والمطالب هي: 1 صندوق الكتاب، 2 تفريغ الأديب، 3 وزارة ثقافة, فالمطلبان الأول والثاني تخلقا في تربة ثقافة الطفرة, أما المطلب الثالث فمصدره اخواننا العرب الذين استوردوا وعيهم من الدول الاشتراكية, وكما يجب أن نلاحظ فإن كلا المصدرين قد ولى عهدهما إلى الأبد, المواطن السعودي العادي البسيط وعى أن الطفرة هبة من الله لا يعلم بتكرارها مرة أخرى إلا الله تعالى، ولذلك حجم مطالبه على أساس الواقع الجديد, والمثقفون العرب الذين استوردوا ثقافتهم من الدول الاشتراكية تبرؤوا منها جملة وتفصيلاً, ومع ذلك ألاحظ في هذه الأيام عودة لمناقشة هذه الاقتراحات, وقد كنت أظن أن هذه المشاريع قد أغلقت على نفسها في النوادي الأدبية وبالتالي خرجت من اهتمامنا ووعينا بصحبة النوادي الأدبية, وكنت أظن أيضاً ان درس النوادي الأدبية وجمعية الثقافة والفنون يمكن أن يستفاد منه في كل ما يخص شربكة الوعي والثقافة مع البيروقراطية.
ما الذي يريده الكاتب أو المثقف من وزارة ثقافة؟ من السهل الاجابة على سؤال كهذا فلدينا نماذج في الدول الأخرى, نشر الكتب اقامة المعارض ترجمة الآداب العالمية تبني الكتاب الشباب إلخ , يمكن أن تمتد قائمة الفوائد التي سنجنيها من وزارة كهذه إلى ما لا نهاية، ولكن بقليل من التبصر سنلاحظ أن بجانب كل فائدة من تلك الفوائد يجلس سؤال, إذا قلنا: إن وزارة الثقافة ستعمل على نشر الكتب سنسأل أي الكتب التي ستنشرها تلك الوزارة؟ وإذا قلنا: انها ستساعد الكتاب والمؤلفين سنسأل من هم هؤلاء الكتاب والمؤلفون الذين سوف تساعدهم تلك الوزارة؟؟ , وإذا قلنا: إن وزارة الثقافة ستنشر الثقافة بين الناس سنسأل ما هي تلك الثقافة التي ستنشرها تلك الوزارة؟؟!! وهكذا لكل فائدة من فوائد وزارة الثقافة سؤال, وأعتقد ان المثقف هو أكثر من يعرف الاجابة على هذه الأسئلة فكل حكومة من حكومات العالم لها أيدولوجيتها الخاصة, وكل جهاز حكومي وظيفته هي بث هذه الايدوليجيا والاستناد عليها في العمل, ولا يمكن أن توجد حكومة في الدنيا يمكن أن تساند أي مثقف يختلف معها مهما تدنى مستوى الاختلاف, لذا فالحكومات الحكيمة كحكومتنا الكريمة دائماً تتهرب من التدخل في شؤون الثقافة العامة, فمسؤولية الحكومة فيما يخص الثقافة والوعي تنحصر في تعزيز الجامعات ودور البحث العلمية والتعليم الأساسي ومكافحة الأمية وتوسيع الحريات, أما دور وزارة الثقافة في الدول التي نشأت فيها فكان عكس هذا كله, فوزارة الثقافة في كل الدول التي وجدت فيها اسمها الصحيح هي وزارة الايدلوجيا والسيطرة على الثقافة، وعلى توجهات الناس, فهي تعمل يدا بيد مع المخابرات, فوظيفتها الأساسية هي قولبة الناس في ثقافة واحدة، فأي كتاب يصدر في تلك الدول يحال إلى وزارة الثقافة لإجازته وأي مشاركة أدبية لأي أديب لابد من الاستئذان من وزارة الثقافة الخ, وحتى ان كانت الدولة طيبة وبنت حلال فلن تسلم الثقافة من البيروقراطية، لن يتمكن الكاتب الشاب من رؤية كتابه في السوق إلا بعد أن يدركه الخرف، فالكتاب سيمر على سبعمائة موظف وكل موظف كما لا يخفى علينا معه ختم واستنمبة.
في النهاية ادعو الله تعالى أن ينتزع كثيرا من المثقفين العرب من عصورهم المختلفة وأن يأتي بهم الى العصر الحديث للانضمام الى أجسادهم.
لمراسلة الكاتب
YARA2222 * HOTMAIL. COM