يخيل إليَّ أن الكل في مطلق الشمول لأصحاب الفكر، والمتعاملين مع الإعلام بشكل أو بآخر، في الوقت الراهن يشحذون أذهانهم، ويفكرون كثيراً، ويفركون أناملهم، ويحكُّون أرانب أنوفهم، ويشدُّون شعورهم، ويرهقون أحذيتهم، ويهتِكون أوراقهم، ويدلقون أحبارهم,,, وهم بين نومٍ ويقظة، وحركةِ وجري، وهواتفَ لا تنزل سمَّاعاتها عن آذانهم,,، وربكةِ كبيرة يمارسونها,.
والمثلُ الذي يقول: مع الخيل يا شقرا ينطبق عليهم,,.
كلُّ ذلك لأننا نعيش في مواسم فرح، فالرياض في عام عرسها الثقافي، وموسم اللِّقاء الجنادري السنوي يقوم ناهضاً في وقته، والعاصمة تعجُّ بحركة العربات، والطائرات، والإعلام الحي الذي يلاحق الواقع، ويتابع الشُّخوص,,,، والكلُّ لابد أن يُدلي بدلوه,,.
ذكَّرني هذا المشهد الصاخب، والبيوت قد خلَت من رجالها، بل أيضاً من نسائها على الأرجح من المهتمات بمتابعة مثل هذه المناسبات,,, بما يتم عادة في الأعراس ، وسبق أن كتبتُ عن صناعة الفرح، ولأن الناس تصنع هذه الحركة، وتعجُّ بها كافة المحيطات بهؤلاء الناس,,, فإن السؤال: لماذا يتوالد الكلام، والأفكار، وتُشحذ الهمم، وتُعصر الأفكار، ويتحرَّك القوم فقط في المناسبات؟
هل نحن أناس مَوسميُّون؟!,.
لنا ربيعٌ، وخريفٌ، وصيفٌ، وشتاءٌ,,.
إذا ما جاء ربيعنا انتشينا وصَخَبنا وهزجنا وطربنا وأثمرنا؟
وإذا ما حلَّ خريفُنا اصفررنا وتقاعسنا ومرضنا ونُمنا وأجدبنا؟
وإذا ما قَدِمَ صَيفُنا تعرَّينا وطَفقنا نستبدلُ جلودَنا، ونُغيِّر ألواننا، فتارةً في الظلِّ وأخرى في العراء؟
وإذا ما نزل شتاؤنا تَدثَّرنا وتلعثَمنا، وضاع منَّا الكلام، والزِّحام، والأفكار والأقوال في صقيعنا؟ وزمهريرنا؟,.
لماذا لا نكونُ كلَّ المواسم في كلِّ المواسم؟
فإن كنَّا كذلك فهو ديدن الحياة وطبيعتها، ولن يَلحقَنا حينها قصور؟,,, ولن نبدو في غير ما يبدو عليه الناس في كلِّ زمان,, ومكان,,.
لقد تعودنا أن نقصرَ أحلامنا على عددٍ يتحرَّكون في الواجهة,,, ولنأخذ أمثلة: في النقد الأدبي هي أسماء حُصِرت ولم تُعط الفرصَ لسواها,,.
وفي التمثيل الثقافي وُسِمت أسماء على الخصوص,,,، ولم يأتِ سواها,,.
وحين الحاجة للاستشارة الاقتصادية، أو الفنية، أو الإدارية، أو التربوية، أو,, في أي مجال هي قوائم قد حُبِّرت، وعندما تتناولها الأيدي تكون الصفحات قد علاها نوعٌ من الفتور، ولحق بأحبارها الطمس,,, لكنها لم تتبدَّل وبعضها لا يمتُّ بصلة إلى مجال الاستشارة,,,، كلٌّ يدق صدره أنه الأول في العالمين، وله (الصَّدر دونهم أو القبر) كما قال الشاعر,,.
حتى في عرس هذه الاحتفاءات التي تصخب الآن,,, عدِّدوا الأسماء، وافحصوها جيداً ستجدونها لا تتبدَّل,,.
والفرص لابد أن تتاح,,,، ومحكُّ التجارب لابد أن يكون مورد الجميع، ومجال التفاعل يستوعب كلَّ القدرات، والولَّادةُ لا تبخلُ برفد الحياة بالمواهب والمهارات، فافتحوا النوافذ لكل المواسم,,.
وقِفوا في مجرى النهر، دعوه يغسلكم بمائه العذب، تطهَّروا من الذات وما يلحق بها,,,، انظروا إلى مساحات أبعد من مواقع أقدامكم، وأعلى من رؤوسكم، حركوا أيديكم ذات اليمين وذات الشمال ستجدون المساحات البياض عامرة بالزهور، والصخور، والثمار، والندى، والعصافير، والزواحف، والشجر، والنهر، ,,, و,,, ليس أنتم من يسكنها وحدكم,,.
إن فعلتم,,, كانت مسيرة الحياة هادئة إلا من ركضٍ للبناء وللعمار وللتبادل وللبذل,,, ولا تنسوا ما قال ربكم العظيم: وفي السماء رزقكم وما توعدون ، والمثَّالة قالت: القمة تتسع للجميع,, فلا تتناكبوا كي لا تسقطوا,,, وامتحوا ثمَّ امنحوا,,, تكونون سادة المواسم، وأهل العطاء.
وكلُّ المواسم، وأنتم مواسم خير وعطاء ونجاح.
|