أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الملك سعود لـ الجزيرة تربية الأطفال ينبغي أن تقوم على أساس من العقيدة الصحيحة القرآن الكريم حذرنا من الانطواء والإسراف في المرح |
* كتبت - عذراء الحسيني
لقد جاء القرآن مركزا الأضواء على النفس الانسانية منذ بدء نشأتها يشير فيها الى اطار هذه النشأة ابان التكوين في رحم الأم فيقول:(هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا, إنا خلقنا الانسان من نطقة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا, إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)الانسان ويتحدث القرآن في مواضع مختلفة عن أوصاف النفس الانسانية وسماتها المختلفة ويقول:(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) وقوله تعالى:(ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم), وقوله تعالى:(ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هو بمؤمنين).
كما جاء القرآن مبينا اختلاف طبائع الناس واختلاف سمات شخصياتهم,, وفي السطور التالية التقينا بالدكتور عبدالرحمن بن ابراهيم المطرودي أستاذ القرآن وعلومه بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض ليلقي الضوء على هذه النقاط الهامة:
* وهل حدد لنا القرآن أسس تربية أولادنا دينيا ونفسيا؟
إن أُسس تربية الأولاد تقوم على أسس من استعداداتهم وقدراتهو، وكل فرد يختلف عن الآخر، ولذلك يحتاج كل فرد الى التوجيه والتقويم من أجل أن يحقق الغاية من وجوده في الحياة حسب قدراته واستعداداته ومؤهلاته,, فالاسلام له تصوراته وغاياته ومنهجه الذي يجب ان يكون عليه المسلم, ولعل أهم أسس تربية الأطفال ما يأتي:
1 أن تقوم على أسس من العقيدة الاسلامية الصحيحة والتي لها أثر في النمو الانفعالي والعقلي والاجتماعي وايضا على الأحكام الشرعية وأصولها التي هي هداية له في سلوكه مع خالقه ونفسه ومجتمعه باخلاص وجد ومثابرة.
2 تنمية روح المسؤولية والانتماء,, قال تعالى:(وقل أعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون)التوبة 105 وقال تعالى:(وأن ليس للانسان إلا ما سعى)النجم 39 وقال تعالى:(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
3 الربط بين العلم والعمل قال تعالى:(يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون)الصف 23 , وايضا الربط بين العمل والعبادة لله تعالى ومراقبته في السراء والضراء والسر والعلن وأيضا التوكل على الله تعالى لا التواكل، فالتوكل عمل قلبي مصاحب لعمل الجوارح.
قال تعالى:(هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع ايمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما)الفتح4 .
وقال تعالى:( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليث عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون)الأنفال .
4 الربط بين الحب والثقة باعتدال بين الأباء والأبناء مع تنمية روح الحوار والاقناع من جهة وروح المصاحبة والرفقة في العمل واللعب وقضاء وقت الفراغ من جهة أخرى.
5 الأسرة المتماسكة والمتعاونة على البر والتقوى في تربية الأبناء والبنات، مع المعرفة بالحقوق والواجبات تجاههم وتجاه مجتمعهم,, وكذا المدرسة وأهدافها والمجتمع الاسلامي وعاداته وتقاليده وثقافته مما يتفق مع الاسلام أو لا يتعارض معه, ولذلك فإن الاسلام قد أحاط الانسان بأبعاده المختلفة بأحكامه وأصوله التي هي عون وهداية له في سلوكه ونشاطه وفعالياته في الحياة عن تعادلية واتزان وطمأنينة.
قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)الروم 30 .
وقال تعالى:(الذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)الأنعام 82 .
6 تفاعل المربي مع وسائل التربية باخلاص مع الرفق للوصول الى غرس ما هو أفضل من السلوك أو تعديل السلوك بالابدال أو الاعلاء والسمو به الى ما هو أفضل ولعل أهمها:
أ القدوة الحسنة من أجل الزرع في نفوس أطفالنا حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والعلم والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة,, قال الله تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)الأحزاب 21 .
ب العادات: فالتعويد على النشأة الصالحة يوجد الكثير من الفضائل والمهارات والتقاليد والمبادىء الايجابية.
ج الموعظة الحسنة المقنعة والواضحة بوسائلها المختلفة.
د الجزاء مع الاعتدال بالثواب والعقاب ومراعاة طبيعة الخطأ والتوجيه مع الرفق والتدرج في المعالجة.
ه الملاحظة والتوجيه ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك .
* معروف أن المريض النفسي يعيش في حالة صراع داخلي، فكيف عالج القرآن هذا الموضوع؟
ان كثيرا من الأمراض النفسية شأنها شأن كثير من الأمراض العضوية تحتاج الى العلاج عند الأطباء المتخصصين، والصراع النفسي عند المريض نفسيا أمر طبيعي يحتاج الى الصبر والرضا والنية الصادقة والايمان بالأجر والمثوبة الكبيرة التي لو علم بها كثير من الأصحاء لحسدوه عليها، ومتى كان الصبر والرضا كان الفرج واليسر ان شاء الله, قال تعالى:(وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا)الانسان 1213 .
* ان الكثيرين من أطباء الصحة النفسية يحذرون من الانطواء والانطلاق والمرح غير الطبيعي وينصحون دائما بالوسطية والاعتدال,, فكيف تعامل القرآن الكريم مع هذه التحذيرات وتلك النصائح؟
ان السلوك الانساني السوي يقوم على خبرات انفعالية ايجابية ولذلك فإن الانطواء كسلوك هو خبرة انفعالية غير ايجابية أو انفعال سلبي يشكل خبرة انفعالية فيما بعد، ثم سلوكا,, وكذلك شأن المرح غير الطبيعي.
ولذلك فان التعادلية والاتزان في السلوك يحقق التعادلية في الذات جسميا وعقليا ونفسيا.
وقد حذر القرآن من الافراط أو التفريط في الانفعالات وبين الحاجة الى التعادلية في التعامل معها لخلق التعادلية في السلوك ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى:( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون)الروم 36 .
وقال تعالى:(ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور)لقمان 18 .
* ان عملية ترويض النفس تحتاج الى الصبر، فهو العلاج الأكيد لكل هذه العمليات النفسية,, فماذا عن الصبر في فيض القرآن الكريم؟
إن الانسان له تفاعله الكيميائي والكهربائي الذي يرتبط ارتباطا قويا بالسلوك الداخلي والخارجي، والانسان له الأجهزة والغدد المتعددة ذات الهرمونات المختلفة والتي لها أثر كبير في سلوك الانسان وانفعالاته، والطب الحديث أثبت الكثير منها وان هناك علاقة قوية وتأثيرا متبادلا بين تلك الأجهزة والغدد وهرموناتها والسلوك.
والله تعالى سن السنن والقوانين للكون كما سنّ السنن والقوانين في جسم الانسان,وهناك علاقة بين التوازن في السلوك والتوازن في الانفعالات، وكذلك التوازن بين أجهزة الجسم وهرموناتها، ولذلك كانت توجيهات القرآن الكريم واضحة وبينة في توجيه السلوك والانفعالات ويقول تعالى:(واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)لقمان 17 ويقول تعالى ايضا:( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون)النحل 96 .
|
|
|