أبرزت التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم العديد من الانعكاسات القائمة واوجدت قضايا وتحديات امنية واجتماعية جديدة تتجلى في بروز وتطور الجريمة حيث اخذت اشكالا واساليب مختلفة عبرت القارات واصبحت تلك القضايا تشكل تحديات جديدة للأجهزة الأمنية العربية الامر الذي دفع الباحثين والمهتمين بمعالجة تلك القضايا الى دراسة دوافع اختلال السلوك ومعرفة انحرافه ومن خلال الدراسات والابحاث النظرية والميدانية التي شملت مجموعة كبيرة من الجرائم والمجرمين تبين ان الدوافع المؤدية الى ارتكاب الجريمة غالبا تعود الى عوامل عدة اهمها: ضعف الوازع الديني التصدع الأسري تدني المستوى الاقتصادي تدني المستوى التعليمي تعاطي المسكرات والمخدرات الدافع الجنسي رفقاء السوء الفراغ.
وبنظرة عامة الى طبيعة تلك الدوافع نجد ان معالجتها تتم عبر مؤسسات دينية واجتماعية واقتصادية وأمنية وتربوية وإعلامية منها مؤسسات حكومية معنية بصورة مباشرة ومنها مؤسسات غير حكومية معنية كالأسرة وجماعة الأصدقاء والجمعيات الخيرية.
ولأن المعالجة العلمية لأي سلوك منحرف تبدأ بمعالجة الدوافع المؤدية اليه وهذه المعالجات تتم كما اسلفت عبر مجموعة من الاجهزة المختلفة الاهداف والتخصصات والوسائل وربما ايضا الفلسفة والقناعة التي تنطلق منها تلك الاجهزة.
ونظرا لهذا الاختلاف فان الجهود المبذولة في مجال مكافحة الجريمة لا يمكن ان تؤدي دورها بنجاح وفاعلية مالم تتكامل تلك الجهود وتتناسق اعمالها وتتعاون باستمرار اذ ان عدم التنسيق والعمل وفق استراتيجية محددة تنضوي جميع تلك الجهود تحتها يؤدي الى التعثر ناهيك عن التكاليف الاقتصادية المرتفعة حيث تتضارب بعض الجهود مع البعض الآخر مما يؤدي الى ازدواجية الخدمات وتكرارها في اكثر من جهاز، فضلا عن استئثار بعض الدوافع ببرامج الوقاية والعلاج في حين لا يتحقق الاشباع الكافي للدوافع الاخرى من البرامج الوقائية علاوة على عدم ضمان توزيع الانشطة والبرامج في جميع المناطق والمدن حيث قد تستأثر مناطق بالبرامج على حساب مناطق اخرى.
وبهذا التعدد الرسمي وغير الرسمي للأجهزة المعنية بمكافحة الجريمة بمفهومها الشامل وما يظهر من تغييب لوجود آلية محددة تقوم برسم سياسة جنائية تعمل في اطارها الاجهزة المختلفة وتحقق التنسيق والتكامل بين جهودها فان تلك الجهود تصبح مبعثرة ولا تؤدي الى تحقيق الاهداف المرجوه منها بكفاءة واقتدار.
وبالتالي فان إنشاء مجلس اعلى للوقاية من الجريمة يكون اعضاؤه من الاجهزة المعنية بمكافحة الجريمة بصورة مباشرة او غير مباشرة يعتبر أمرا حيويا ومهما, حيث يقوم هذا المجلس برسم السياسات والخطط الجنائية الاكثر ملاءمة للوقاية، والعلاج، وتوزيع الادوار والبرامج للاجهزة المعنية وفق دوافع الجريمة واولوياتها وأهميتها حيث سيطلع عليها ويلم بأبعادها ان ذلك بلا شك سيؤدي الى توحيد جهود هذه الاجهزة ويوجد آلية للتنسيق بين اعمالها وبرامجها ويجعل جميع برامجها الوقائية والعلاجية تنصهر ضمن خطط التنمية الشاملة للمجتمع فضلا عن اتباعها لخطة استراتيجية جنائية مرسومة ومعلومة سلفا، كما قد يدخل في مهام هذا المجلس رسم الخطط المستقبلية ولاستشراف الظواهر والمستجدات التي يكون لها انعكاساتهاعلى الشأن الأمني ووضع الحلول الناجعة الكفيلة بالتصدي لها على المستوى الرسمي والشعبي.
د, خالد سعود البشر