* هامبورج د,ب,أ
من المعروف ان التحليل النفسي يهتم في المقام الأول بتناول أكثر النواحي النفسية عمقا وخصوصية في الاضطرابات العقلية، ولكن جانبا آخر أقل شيوعا من هذا هو أن التحليل النفسي، الذي وضع سيجموند فرويد أسسه في التسعينات من القرن قبل الماضي، أصبح أكثر اهتماما من ذي قبل بالمشكلات التي يعاني منها المجتمع، ولاسيما المشكلات التي تربك سير الحياة الطبيعي.
ويشمل هذا كافة جرائم العنف بوجه عام وتلك التي يرتكبها الأطفال بوجه خاص، كما يسعى التحليل النفسي الى اماطة اللثام عن أسباب ارتكاب جرائم التحرش الجنسي بالأطفال وتعاطي المخدرات, وقد تبينت أهمية التحليل النفسي كمصدر لتقديم التفسيرات المتعلقة بكل هذه الأعراض فضلا عن دوره في الاشارة الى الخطوات التي من الضروري اتخاذها للحيلولة دون تعرض الشخص لها ومكافحتها والتغلب عليها عند حصولها.
ويرى ميخاهيلجرز المحلل النفسي في آخن أنه ليس ثمة ما يمكن عمله للتأثير على أكثر عيوب الشخصية التي تؤثر على المجتمع وهي عدم التسامح، والاحباط والتوتر العصبي.
وغالبا ما تنجم العيوب العميقة في الشخصية عن تعاطي المخدرات التي تستمر في التأثير على المريض حتى بعد تنظيف الجسم منها, يعني هذا أن برامج الاستبدال التي يتم فيها الاستعانة بعقار الميثادون ستظل فعالة بالنسبة لبعض المرضى ولكن بقدر محدود فقط, ففي مثل هذه الحالات غالبا ما تخفق الجهود العلاجية بسبب الصراعات الداخلية التي تجتاح ذهن المريض.
ويرى هيلجرز ان العنف الذي يمارسه المراهقون من ذوي الميول اليمينية المتطرفة ضد الأفراد الأقل قوة في المجتمع أو هؤلاء المنتمين الى الأقليات كالمعوقين على سبيل المثال ينبغي التعامل معهم في ضوء كونه معركة ضد ما يعانون منه هم من نقاط ضعف لا شعورية, وبما أنهم غير قادرين على التعامل مع نقاط الضعف تلك فانهم يشعرون بأنهم منساقون تجاه تفريغ هذه الشحنات على الآخرين.
ويضيف ان النزعات اليمينية المتطرفة أو النازية الجديدة تنبعث ايضا عن التوترات والمشكلات والصراعات الداخلية, فالخوف من التوتر الداخلي في أبعد مناطق الشعور يتمخض عن تصوير الأفعال والتصرفات التي يرتكبها المريض انطلاقا من الاعتقاد بأنه يتمتع بالقوة والسطوة باعتبارها مثالية.
وتؤكد المحللة النفسية أنيت ستريك فيشر على أهمية الدور الذي يمارسه اللعب والحديث مع الأطفال، في اطار دراستها لسلسلة أعمال العنف الوحشية التي ارتكبت مؤخرا ضد المدرسين والطلاب في ألمانيا وغيرها من بلاد العالم من قبل طلاب آخرين.
وتقول عندما تنهار القدرة على اللعب بسبب توالي الصدمات في مرحلة مبكرة فإن القدرة على التواصل في أجواء رمزية سواء من خلال اللعب أو الحوار اللفظي تصبح غير موجودة .
وتضيف ستريك فيشر التي تشغل منصب الطبيب الأول في قسم العلاج النفسي الاكلينيكي للأطفال وصغار البالغين في تيفنبرونن هؤلاء الأطفال إما يصبحون غير قادرين على اللعب، أو أنهم يلعبون بشكل يفتقر للخيال أو ان لعبهم يهدد بالتحول لواقع, فما يبدأ كحرب طفولية يمكن أن يتحول بسرعة الى أفعال عنيفة .
وتقول ان التحليل النفسي قلل، على مدار فترة طويلة، من أهمية التجارب التي يمر بها الأطفال كان ينظر اليها باعتبارها من نسج الخيال، يعني هذا انه لم يكن ثمة ادراك بأن الأنشطة التدميرية التي يمارسها هؤلاء الأطفال بمثابة تكرار للخبرات الجارحة التي مروا بها, والآن فقد بدا تدريجيا ادراك ان مثل تلك الخبرات تصاحب باضطرابات معقدة .
أما عن الفوائد المرجوة من علم التحليل النفسي فيقول ميخا هيلجرز إن الأسس الجوهرية لهذا العلم لا تزال قائمة, إلا انه يردف بقوله لا يشمل هذا بالضرورة تلك النظريات التي وضعها الجيل الأول من المحللين النفسيين كأسس للعلم الوليد, فلم يعد علم النفس الدافعي، هذا الذي يفسر زلات اللسان، وتفسيرات الأحلام هي الفائدة المرجوة من التحليل النفسي اليوم سواء داخل العيادة أو في تقييم المجتمع، والأهم من ذلك ان التحليل النفسي علمنا كيفية تسليط الضوء على الصراعات العديدة التي غالبا ما تكون لا شعورية في حياة الفرد والمجتمع وبالتالي المعنى اللاشعوري من ورائها ومن ثم المساعدة في تفسيرها .