في ندوة العولمة والوطن العربي والتي اقيمت مساء أول امس الثلاثاء في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات على هامش مهرجان الجنادرية لهذا العام قدم اربعة من المفكرين اوراق عمل حول هذا الطرح المعرفي الجديد والمتمثل في العولمة كمفهوم وكثقافة.
استهل مدير الندوة الدكتور حسن الهويمل الجلسة بتحية الحضور والمشاركين ومن ثم تلا السيرة الذاتية لكل من المحاضرين أ, د, محمد جابر الانصاري، ود, محمد السيد سليم، ود, عبدالعزيز داغستاني، ود, مصطفى عبدالغني موضحا مسيرة كل واحد منهم في مجال الثقافة والمعرفة والحياة العلمية لهم وعرف العولمة باعتبارها الشغل الشاغل لكثير من الساسة والاقتصاديين حتى يرى انها استخفتهم، واخافتهم.
ثم اعطى مدير الندوة الدور للاستاذ الدكتور عبدالعزيز اسماعيل داغستاني والذي استهل ورقته التي جاءت بعنوان العولمة المبدأ والبعد الاقتصادي واستهل بتمهيد يحدد هوية العولمة وابعادها التاريخية التي اثرت في تباعدها لدى جملة من العلماء والذين عملوا على التعرف على العولمة فانقسم المهتمون الى قسمين هما طرف يؤيد العولمة وطرف آخر يرفضها ولا يتعايش معها.
ويرى الدكتور الداغستاني ان العولمة لها مفهوم عالمي حديث يحدد هويتها ويعكس ابعادها الحضارية فقد احدثت هذه التطورات ارتباكا في الرؤية لدى كثير من المجتمعات النامية والفقيرة.
وعن اشكالية التجاوز اشار المحاضر الى ان العولمة قد رفضت عند كثير من المجتمعات ولكن هذا الرفض ربما يكون من غير المستحب لانها لا تقارع الحجة بالحجة وهذا مفهوم قوة يستند على ادب الحوار مع كثير من الحضارات الغربية.
ويرى الانكفاء والتخاذل بأنه قد استشرى واحدث جملة من التداعيات حتى ان العالم الثالث انكفأ وتقوقع على ذاته ولم يتفاعل معها في هذا العصر الا انهم في السابق استطاعوا ان يحققوا هويتهم، وعولمتهم الا انها ضعفت لحظة ان تخلوا عن الاسلام لتجعل كثيرا من العرب لا يستطيعون ان ينطلقوا الى الافضل والاحسن في مسايرة النهضة الحضارية القادمة.
علة اقتصادية
واشار الدكتور داغستاني الى ان اشكالية الضعف في مواجهة العولمة يعود الى ضعف اقتصادي وهي علة مرتبطة بعدم فهم الوسائل المسببة لمثل هذا الرفض للعولمة بطريقة سطحية وغير مؤثرة.
وألمح المحاضر الى ان العولمة لم تكن في الاساس جديدة انما عرفت منذ عهد بعيد لتتمثل في فكرة العلاقة بين الدول,, الا ان نشطت بشكل واضح في العام 1944م بعد ان انشىء البنك الدولي، والصندوق الدولي للتنمية وكذلك نهوض منظمة الجات وهذا النشاط جعل الهيمنة تصبح للدول القوية فقط.
واستطرد الدكتور داغستاني في وصف اشكالية الاداء لبعض المؤسسات الانتاجية والاقتصادية وقارن بين الدول الغربية من حيث السكان والناتج المحلي مع علاقتها بالدول العربية فقد وردت احصائية صدرت عام 1998م تفيد ان الانتاج المحلي للدول العربية مجتمعة قد بلغ 589 ملياراً فيما ان عدد السكان يبلغ 270 مليون نسمة.
فيما نجد ان دولة غربية واحدة يفوق اجمالي دخلها كل دخل الدول العربية مجتمعة.
ثم اعطى مدير الندوة الدور للمحاضر الثاني وهو الاستاذ الدكتور محمد جابر الانصاري مستعرضا تجربته وسيرته الذاتية ثم بدأ الدكتور الانصاري بمحاضرته التي جاءت بعنوان العرب والعولمة بين التنظير الخائف والتفاعل الواثق واستهلها بتصور معاصر للعولمة ونقد الذات العربية والتي اخذت تبرز لدينا ولدى دول نامية اخرى.
وعن ظاهرة العولمة تحدث الدكتور الانصاري عن اهمية النشاط في وجهها واخذ المفيد منها ورفض السلبي,, ويرى ان العولمة اصبحت هاجسا مفرطا في الخوف من العالم من حولنا مثل امريكا وبريطانيا مستندا الى جملة من الشواهد المادية التي حدثت في الاستعمار والرأسمالية المتوسعة وتمثل الدول الصناعية هاجس التعاظم والاستغلال.
ويرى ان العرب ما يزالون يعانون من عدم التمييز بين الاستعمار والحضارة حتى ان التوجه السائد في هذا المجتمع هو عدم التخلص من عقدة الغرب.
واستفاض المحاضر في شرح الاصول المثالية للخروج من نفق الاحادية التي انحصر بها العرب لمدة عقود طويلة,, فالبحث في العولمة لا يمكن ان يكون مجرد هيمنة غربية انما الامر لا يخلو من خطورة والحديث هنا للمحاضر اذ يشير الى انه من الضروري ان نخرج الى العالم الآخر من خلال الوعي ومعرفة الذات وخيار التعامل المدروس مع التحديات المعاصرة التي تحدق بنا.
القضية الغائبة
ويرى المحاضر ان القضية الكبرى الغائبة هي عدم التشخيص للحالة والتحقير للذات امام العولمة التي ترتبط بالتكتل ونحن العرب في فرقة شديدة,, ومع العولمة يمكن لنا الانطلاق من حيث توقفنا في الماضي.
ويرى الدكتور الأنصاري إلى العولمة هي مشروع مواجهة الذات وتصفية حساباتنا مع أنفسنا ثم البداية وأخذ المفيد وذلك من خلال الأخذ بالرأي الآخر الذي يوجه لنا كأمة وأن تتجه اهتمامات المثقفين والاقتصاديين إلى التعامل مع بعضنا لتحقيق هدف عملي محدد وذلك لننهض إلى العالم بخطوات جمعية ذات روح متوحدة وهذا مفقود في الأمة العريبة والحديث هنا للمحاضر إذ يؤكد على حقيقة القطيعة بين العرب ا لذين اضاعوا هويتهم الحقيقية التي تكفل الانطلاق نحو تحقيق بعض الطموحات الاقتصادية والاجتماعية.
ويختم المحاضر الانصاري ورقته بالتأكيد على ضرورة الانتاج وعدم الترفيه والترف,, والاهتمام بالعمل المهني واعطاء المرأة دورها والاهتمام بالفرائض الحضارية التي تنادي بجملة من الواجبات التي يجب علينا أن نهتم بها.
وأعطى مدير الندوة الدور للمحاضر الثالث في هذه الأمسية وهو الأستاذ الدكتور محمد السيد وجاءت ورقته بعنوان التعامل مع العولمة والدروس المستفادة
ويستهل المحاضر ورقته بالتعريف بالعولمة من منطلق اقتصادي صناعي يرعى رأس المال ويسقط الحدود التي كانت قائمة في السابق مسترشداً في هذا السياق بمقولات حديثه تتحدث عن نموذج جديد يحرر الأسواق ويخصص جملة من نشاطات الدولة وهو تيار شديد يأتي من الشمال ويتجه إلى الجنوب وهو اصطلاح يقوله الدكتور (فريد من) وهو منظر متخصص في العولمة.
تحول نحو الشمال
ويرى المحاضر أن العولمة هي تحول نحو الشمال باعتباره هو النظام القوي والذي يجب علينا كعرب أن ننطلق نحوه في حدود ما نستطيعه كما يشير المحاضر إلى ضرورة المشاركة الحضارية مع الدول الصناعية من حولنا وأن تكون هناك تبادلات تجارية.
ويرى أن هناك تيارين قويين يتنازعان هذه الظاهرة هما التيار الاندماجي والتيار الانعزالي فالتيار الأول يؤيد الاندماج واللحاق بالغرب والعولمة فيماجاء التيار الآخر رافضاً لهذه الطروحات.
واختتم الدكتور محمد السيد سليم ورقته حول العولمة مؤكداً على أن الدول الآسيوية مثل اليابان والصين وكوريا والتي نجحت في تخطي الحواجز التي أفرزتها ظاهرة العوملة واستطاعت أن تقيم نموذجاً مثاليا لتوفير طاقات صناعية وتنموية فاعلة تحقق الذات وتنطلق مع الفعاليات الاقتصادية كمفهوم وصيغة مهذبة تحقق مكاسب اقتصادية مفيدة لا يمكن أن تتصادم مع المصالح والنظم الأخرى وربما تؤدي إلى صدام حضاري قد يتحول إلى أزمات غير مبررة.
بعد ورقة الدكتور محمد سليم جاء دور الاستاذ الدكتور مصطفى عبدالغني والذي لخص ورقته فيما يقارب نصف ساعة وجاءت بعنوان العلاقة بين العولمة والفكر الأدبي العربي .
العولمة هي الهيمنة
وفي مستهل ورقته طرح الدكتور مصطفى العديد من الأسئلة حول العلاقة بين العولمة والابداع العربي وألمح إلى أن العولمة أصبحت هي الهيمنة وآلية التنميط فيما يرى أن الأدب لا يرضى هذا النوع من التنميط الذي لا يحقق أهدافها,, فهو يشير إلى أن الأنسنة هي التي تحدد هذه العلاقة بين الابداع والهوية لتقف أمام هذا النوع من الهيمنة والنمطية للعولمة.
كما يرى المحاضر أن وجه الفكر الأدبي شاحب غير فاعل فهو لا يعبر عن هويتنا ولا يقدم لنا الفكر الحديث اي اتزان لأن المعنى لا نجده في سياق النص.
ويشير إلى أن النص الأدبي والابداعي قد مال إلى ما هو غربي إذ استهوت نظرية المعنى من منطلق الشكل والمضمون الغربي.
ويؤكد المحاضر على أن العولمة قد تواجدت في النص الأدبي الحديث فأصبح الشكل الشعري لا يرتبط بمضمون غربي بل انه جاء محاكياً لبعض القيم السائدة في الغرب,.
حتى الأدب الشعبي ,, أصيب
ويلاحظ الدكتور مصطفى عبدالغني أن الشكل الفني للأدب لم يقف عند هذا التراجع بل انه أصاب حتى الأدب الشعبي لتتحول السيرة الشعبية إلى لغة الكاسيت وهذا من وجهة نظره تشويه لأدب الآباء والأجداد وما لديهم من تراث شعبي، واستشهد بتجربة المملكة في مهرجان الجنادرية الذي يرعى العديد من الفعاليات الشعبية التي تسجل هذا الموروث وهذا أدب جدير بالاهتمام والمتابعة.
وطرح المحاضر جملة من الاسئلة حول العولمة والابداع الفكري والادبي من خلال الرواية في العالم العربي بشكل عام كما أن العنصر (التكنولوجي) أثر على الابداع العربي أيضاً.
وختم المحاضر ورقته بالاشارة إلى أن هناك تكنولوجيا جديدة ستفسد أجواء الأدب والثقافة والفكر في العالم العربي,, وأكد على أن استجابة الأدب لما حدث من عولمة لم يكن سوى ردة فعل، واستشهد بتجربة الروائي نجيب محفوظ الذي لم يكن مجدداً في بناء الرواية وانما نزع إلى التأصيل والتعامل مع المنجز التاريخي للفن العربي الأصيل,, واقتصر المحاضر في أمثلته على العمل الروائي في عولمة التسعينيات,.
المداخلات
وبعد أن أتم المحاضرون قراءة أوراقهم أعطى الدكتور الهويمل فرصة الحديث للحضور فكانت المداخلة الأولى من الدكتور عبدالله المعطاني والذي علق على ورقة الدكتور الانصاري والدكتور مصطفى عبدالغني ليؤكد أن المحاضر تحامل على أمة العرب في حين أن هناك من يضع الحجر في طريقنا ويعوقنا عن تحقيق مشاريعنا الثقافية التي كنا نحلم بها ,, كما أنه أكد على أن المقارنة لم تكن عادلة وهي مقارنتنا في الحضارة .
وعلق على ورقة د, عبدالغني مشيراً إلى أنه لا توجد اي عولمة في الأدب,
وجاء دور المداخل الدكتور عبدالعزيز الصويغ والذي أشار إلى أن أوراق العمل حول العولمة لم تكن متناسقة بل انه أشار إلى ضرورة الخلوص إلى فكرة موحدة حول هذه الاشكالية,, كما طرح جملة من التخوفات التي تثير العديد من الاسئلة حول ضعف الأمة أمام العالم الآخر.
العولمة ,, شيء لا بد منه
ثم علق الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح على أوراق العمل مؤكداً على ضورة الاهتمام بالاقتصاد والعمل التجاري ويرى أن العولمة شيء لابد منه,,لكننا يجب الا نخاف من هذه الاشكالية الجديدة.
وعلق الأستاذ محمد ناصر الأسمري مشيراً إلى أن العولمة هي ثقافة غالبة استطاعت أن تملي ما تريد لأنها كما يقول هي الغالبة والتي تملي شروطها,.
ووجه سؤال إلى الدكتور الانصاري يتلخص في رؤيته لثقافتنا، وثرواتنا، وفكرنا,, كما علق الأستاذ عبدالله القرني حول الندوة واصفاً الاشكالية بأنها خطيرة وللخائفين الحق في خوفهم من العولمة ولهم الحق في هذا الخوف,, كما أن هناك خطورة في العولمة لأنها لغة القوة وهذا مبدأ خطير أيضاً.
وفي نهاية المداخلات علق المحاضرون على المداخلات وأجابوا على اسئلة الحضور ومن ثم شكر مدير الندوة الدكتور حسن الهويمل الحضور المشاركين في هذه الاشكالية العالمية الهامة
تغطية: عبدالحفيظ الشمري