أوراق فارسية د, أحمد بن خالد البدلي |
لقد ناديت منذ أن قدر لي أن أتخصص في الدراسات الشرقية والفارسية تحديداً ناديت بأن من واجب المثقفين المهتمين بالدراسات التي تتناول الحضارات الإسلامية المشاركة في إبراز نشاط الأعراق المتعددة التي ساهمت في تكوين الحضارة الإسلامية، فيقوم باحث بإبراز دور الفرس وآخر دور الترك وثالث دور الهنود إلى آخر القائمة الطويلة التي ساهمت في تكوين الثقافة الإسلامية من جهة وعملت على نشرها في مختلف أنحاء العالم من جهة ثانية.
لأنه بدون بذل هذه الجهود فسيظل جزء كبير لايستهان به من أبواب التراث الإسلامي مجهولاً ومخبأ تحت ألسنة تلك الأعراق ولا مجال للاطلاع عليه إلا لمن قيض لهم دراسة وتحصيل تلك الألسنة وقليل ما هم.
وإنها لفرصة طيبة وكريمة أن تتيح لي جريدة الجزيرة العزيزة برئاسة رئيس تحريرها الحبيب الأخ خالد الحمد المالك فرصة المشاركة والمساهمة في تحقيق حلم قديم وملح طالما راودني لتناول جانب من جوانب الثقافة الفارسية وعرض جوانبها على القارئ السعودي, ولاسيما ان المملكة قد اختيرت هذا العام (2000م) لتكون عاصمة للثقافة العربية مع كل ما يحمله هذا الاختيار من تبعات ثقافية ليس تجاه العرب فحسب وإنما تجاه الثقافة في المطلق, وقبل ذلك فقد سعدنا جميعا بالذكرى المئوية الاولى لقيام هذا الكيان الشامخ على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
في ظل كل هذه الاعراس الثقافية والسياسية الآخذ بعضها برقاب بعض فقد أردت أن أساهم بتقديم بعض الاضاءات الثقافية على لغة وثقافة قضيت اجمل سني عمري في دراستها وتدريسها وهي الثقافة واللغة الفارسية, ان عرض نماذج من هذه الثقافة الشرقية الكبيرة على القارئ السعودي في جرعات اسبوعية لأمر (فيما أرى) مفيد جداً, فمن أهم واجبات المثقف السعودي في هذه الحقبة هو تعريف وتقديم الثقافات الإسلامية الأخرى وتقريبها إلى القارىء, ولاسيما وقد اختيرت رياضنا الحبيبة عاصمة للثقافة العربية وبالتالي للثقافة الإسلامية.
وحيث ان الجود من الموجود فقد أردت الحديث والخوض فيما احسن وأعرف من اللغات, فقد أمضى كاتب هذه السطور أكثر من ثلاثين عاماً في درس وتدريس الفارسية وأدبها في جامعة الملك سعود العتيدة.
ولا يخفى على المتتبع لمسيرة العلاقات السعودية الإيرانية ملاحظة الانفراج العظيم الذي تشهده هذه العلاقات في كل المجالات ومنها المجال الثقافي،الذي يعمل المسؤولون فيه لخدمة المصالح الثقافية بين البلدين والشعبين المسلمين في السعودية وإيران.
في أوائل عهدي بالدراسة في جامعة طهران في إيران خلال عام 1961م وعندما كنت أستعد لنيل درجة الدكتوراه في اللغة والادب الفارسي على يد استاذي الكريم المرحوم إن شاء الله الدكتور محمد جعفر محجوب، كنت أسمع أساتذتي يرددون دائما هذه الجملة الفارسية في كل مناسبة، ومن غير مناسبة أحيانا: زبان فارسي شكرست أي أن اللغة الفارسية أحلى من السكر، وانها من أجمل لغات الشرق, وكنت بيني وبين نفسي أتساءل:
لماذا الفارسية أحلى من السكر؟ ما سر حلاوتها؟ لم هي أجمل لغات الشرق؟
أهو كلام يقال من باب الحماسة القومية والتحيز اللغوي؟ وأين تقع الفارسية من الحلاوة والطلاوة والسعة والبلاغة من اللغة العربية؟
لقد ظلت هذه الاسئلة تلح علي وتلازمني طوال فترة تحصيلي في جامعة طهران وكنت خلال سني التحصيل الطويلة التي قضيتها في إيران، أسافر خلال الاجازات الصيفية إلى كل من تركيا وباكستان وأفغانستان وأزور الحدود المشتركة بين إيران وروسيا في منطقة أذربيجان.
لقد لاحظت خلال جولاتي تلك مدى انتشار اللغة الفارسية وذيوعها وما تلقاه من الاهتمام خاصة بين الوسط الثقافي في تلك الأنحاء.
هنا تبين لي صدق ادعاء اساتذتي الفرس بأن لغتهم الفارسية أحلى اللغات الشرقية.
سوف أطرح خلال هذه المطارحات الأسبوعية بعض القضايا الثقافية العامة المشتركة بيننا وبين إخواننا بقدر ما تسمح به المساحات المتاحة لي على صفحات (الجزيرة) الغراء.
|
|
|