بعد يومين فقط من نشر سحر حرف الدال الخفي (الجزيرة) تلقيت عبر البريد الالكتروني رسالتين كانت الأولى من الأخ محمد الحارثي طالب دكتوراه في الهندسة المعلوماتية في جامعة فاندربلت بالولايات المتحدة يقول فيها: أود ان اعبر عن إعجابي بموضوعكم حيث اثرت مجموعة من النقاط التي نناقشها كثيرا في جلساتنا مع الاخوة المبتعثين معنا في الولايات المتحدة عن جدوىالحصول على الدكتوراه لموظفين عاديين، او ممن لا ينوون العمل في البحث العلمي، وأعتقد انك لمست نقاطا مهمة في موضوعك,, والاخرى من الاخ وافي البلوي، طالب دراسات عليا في الحاسب الآلي، في ميزوري بالولايات المتحدة حيث يقول: فإنني أود أن ألفت انتباهكم لبعض النقاط المطروحة في مقالكم السابق.
أولاً: أؤيد وبشدة اقتراحكم فيما يخص حصر الابتعاث على اعضاء هيئة التدريس والباحثين لا لكوني عضو هيئة تدريس بل لأن اعضاء هيئة التدريس والباحثين من أحوج الناس لمواصلة دراستهم، والتعمق في مجال تخصصهم، إن ابتعاث منسوبي الدوائر الحكومية وخصوصاً من تقدم بهم السن لدرجة الدكتوراه يكاد يكون من الترف الأكاديمي محدود الفائدة، وربما لا تتجاوز فائدته إن وجدت الشخص نفسه كمؤهل ثانوي او كوجاهة اجتماعية في أغلب الاحيان,.
ثانياً: فيما يخص المزايا التي يحظى بها حامل الدكتوراه، فلا أدري اية مزايا يعني سعادة الكتور؟,, أعتقد وارجو ان يصححني سعادة الدكتور إن كنت مخطئا ان حملة الشهادات العليا وخصوصاً الدكتوراه، لم يحظوا بالمكانة المناسبة ، ولم تهيأ لهم البيئة الملائمة، ولم يتح لهم المجال، كي يواصلوا ما بدءوه في مراحل دراستهم السابقة، من استكمال للبحوث او إجراء للدراسات او نشر للمقالات العلمية المفيدة، فأين دعم البحوث كما نرى هنا ؟ وأين مشاركة القطاعات الخاصة في تبني المشاريع العلمية؟ وأين الحوافز والمكافآت؟ اتمنى ان اكون مخطئا، وربما من هو على ارض الواقع يرى الصورة بشكل أفضل,, .
والرسالتان تنكآن الجروح وتثيران المواجع وتطرحان اسئلة غاية في الأهمية.
الأستاذ ما له وما عليه
بداية المزايا التي ذكرتها في مقالتي تخص حاملي الدكتوراه من غير العاملين في الجامعات حيث الحصول عليها يجعلهم مؤهلين للتقدم في المراتب الوظيفية إضافة الى الغربة اللذيذة, اما المزايا لأعضاء هيئة التدريس فلا ارى لهم اية مزايا غير رواتبهم الزهيدة, وذكرتني الرسالة بموضوع كتبته في جريدة الرياض قبل ثلاث سنوات (تقريبا) عن اعضاء هيئة التدريس الجامعي، كنت أرى فيهم وما زلت فئة مهضومة الحقوق وأنهم لا يلقون مقابلا ماليا ولا أدبيا جديرا بهم,, وتلقيت بعدها اكثر من اتصال هاتفي يعتب عليّ المتصل اني لم أر إلا جانبا واحدا من الحقيقة بينما الجانب الأكبر يقول: إن اعضاء هيئة التدريس (من استاذ مساعد فما فوق) لا يعملون إلا أقل القليل من المطلوب منهم ويبذلون جل جهدهم في أعمال اخرى بصفة مستشارين، او مديري أعمال (بيزنس), ولم أتوقف عند هذه الملاحظات، ولم أعد الكتابة في الموضوع.
وفي الحقيقة ان سلم رواتب اعضاء التدريس هزيل، ويعاني من فقر دم مزمن، تصوروا ان راتب استاذ مشارك يشار له بالبنان، لا يتجاوز عشرة آلاف ريال ونصف في الشهر! هذه كل الامتيازات المالية، أما اية امتيازات اخرى فلا توجد طبعا هناك توفير السكن في قائمة انتظار طويلة، وقد يصل استاذ الجامعة الى سن التقاعد قبل ان يأتي دوره، او مبلغ 30 ألف ريال إيجار سكن تدفع لصاحب الملك، ويا ليت الأمر عند هذا الحد بل يقتطع من راتب الاستاذ 800 ريال شهريا (مقابل هذا البدل) ليتقلص المبلغ 20400 ريال في السنة وهو مبلغ يكاد يكفي لاستئجار شقة في غبيرة!!
كذلك أذكر اني عندما كنت في الثانوية ذهبت مع صديق يدرس في الجامعة الى مكتب في شارع الوزير، وكان الزحام على أشده، واشبه بسوق الغنم قبل عيد الاضحى، فقد كان الطلبة يشترون ملزمة الدكتور الفلاني في المادة الفلانية، وكان الدكتور يحصل على جزء من الثمن, ولكن هذا الباب أغلق الآن، فعندما تذهب الى أي مكتب من المكاتب المسماة بمكاتب خدمات الطالب الجامعي تجد كتالوجاً انيقا يحوي اسماء المواد الجامعية واسماء الدكاترة المدرسين لها وتشتري نسخة دون ان يحصل الاستاذ على قرش واحد ودون أن يستأذن او يستشار ويذهب المبلغ كله الى المكتب ولا عزاء للدكاترة.
ولكن في مقابل هذا هناك العديد من الاساتذة يوكلون مهامهم الى المعيدين ويختصرون جدولهم الى عدة ساعات في الاسبوع بينما يتفرغون في الاوقات الباقية للعمل الخاص سواء كانوا ملاكاً لتلك الأعمال، او موظفين فيها, وهذا جزء من الداء الوظيفي الذي تعاني منه الوظائف الحكومية حيث الكثير من الموظفين يضمنون راتبا شهريا ولو قليلا دائما بينما يعملون في أعمال اخرى، ولو كانت سيارة تاكسي,, وبالطبع لا يسمح النظام بذلك، ولكنه للأسف أمر سائد، حتى إذا سمح النظام لهيئة حكومية ما ان يعمل منسوبوها ساعتين في الاسبوع في القطاع الخاص، فسينقلب الأمر الى ان يعمل الموظف ساعتين يوميا في الحكومة، ويكرس الساعات الباقية للعمل الخاص (والأمثلة كثيرة ولا داعي لذكره)! وليس من حل في نظري لهذا الإشكال الا اتباع نظام الدوام الواحد للعمل في القطاعين العام والخاص,, ولكن، وان كان اعضاء هيئة التدريس بشرا في نهاية الأمر، فإن عليهم ان يترفعوا عما يقوم به غيرهم، فالاستاذ الجامعي ليس الحاجة شكرية التي كانت تدرسنا القرآن في كُتابها في زقاق البخارية في الطائف.
المشكلة في نظري انا لا نعرف الدور الحقيقي للجامعات، ونعتقد ان دور هيئة التدريس ينحصر في تدريس الطلاب وتخريجهم، والقيام بأبحاث لزوم الترقية فحسب، بينما الدور الاكبر والأساسي للجامعات انها مراكز للبحث العلمي، وأنها رديف للدولة والمجتمع، للقيام بالأبحاث التي تساعد على معرفة احتياجات البلاد، وتقديم الحلول، ويجب ان توفر للاستاذ الجامعي كل عوامل الراحة ليتفرغ لدوره المطلوب, ومن لم يرض بالقيام بما هو منوط به من مهام جامعية، فليتفرغ للعمل الخاص وليترك مقعده لغيره, فهناك من اعيروا الى القطاع الخاص، وعندما اعجبهم الحال تقدموا باستقالاتهم فكانوا اصدق مع انفسهم، واجدر بالاحترام.
واستاذ الجامعة بحاجة للقيام بالابحاث، وللاشراف على بحوث ليطور علومه ومداركه فيكون استاذ جامعة بحق، لأن الموضوع الدقيق لرسالته لن يجعل منه إلا دارسا لذلك الموضوع الجانبي الدقيق، واسيرا له، لا أكثر ولا أقل.
القطاع الخاص والأبحاث
وهذا موضوع يطول ولكني أتفق مع الأخ وافي بأن القطاع الخاص لا يقوم بدعم ملموس لأية بحوث,, ومنذ سنوات كنت أتحاور مع عدد من الاصدقاء عن دور القطاع الخاص في تمويل الأبحاث (ومنهم من أصبح مدير تحرير لصحيفة مرموقة) وخالفني الجميع,! لوجود نظام ضرائبي وتمويلهم هذا يخفف من قدر الضريبة! وهذه حجة مضحكة مبكية، فكأن الأمر ليس مسؤولية وطنية وواجب اجتماعي، ولكنه نوع من التهرب الضريبي, وعلينا بدلا من ان نطلب من القطاع الخاص تمويل الأبحاث العملية ونحثه عليها، ان نطلب من الحكومة فرض ضرائب على رؤوس الأموال الكبيرة مع تخفيض نسبة الضريبة عند تمويل الأبحاث، أو تقديم الهبات للمشروعات الاجتماعية! وأكتفي بهذا القدر.
ولكني أؤكد على ان استاذ الجامعة ليس عاملا متطوعا في مؤسسة خيرية ومن حقه الحصول على مكافآت ومزايا لقاء ما يقوم به من أبحاث.
fahads * suhuf. net. sa