صدرت الموافقة الكريمة على قرار مجلس القوى العاملة رقم 3/م30/1410 وتاريخ 2/3/1420ه بشأن انشاء مكاتب اهلية لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص ويهدف هذا القرار الى التسريع بعملية توطين فرص العمل في القطاع الخاص خاصة في ظل التقديرات الاحصائية التي تشير الى النمو المتزايد في اعداد العمالة الوطنية المتدفقة الى سوق العمل والى عدم قدرة القطاع العام على تأمين فرص العمل الكافية لمواجهة هذه الاعداد المتزايدة سنويا مما يلقي بالجزء الاكبر من المسؤولية على القطاع الخاص ولقد حدد القرار مهام وواجبات هذه المكاتب ووضع الضوابط اللازمة لضمان حسن سير العمل في هذه المكاتب وقيامها بواجباتها ومسؤولياتها المحددة بوضوح في ثنايا القرار, وفي اعتقادي ان الموافقة على هذا القرار قد جاءت لتؤكد العديد من القناعات العامة التي لها علاقة مباشرة بسوق العمل السعودي وبالجهات المعنية عن تنظيم وتخطيط واقع ومستقبل المتغيرات الرئيسة في هذا السوق, ومن اهم هذه القناعات العامة ما يلي:
1 الحالة الغريبة التي يعيشها سوق العمل السعودي والتي تتمثل في الاعتماد الكبير على العمالة الاجنبية في مختلف العمليات الانتاجية واتخاذه كبديل مباشر عن عنصر العمل السعودي.
2 عدم قدرة الجهات المعنية بتنظيم وتخطيط سوق العمل السعودي وفي مقدمتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على تصحيح الوضع المتردي في هذا السوق مما افقد السوق السلطة الادارية اللازمة لتحقيق الاستراتيجية الوطنية التي اقرها نظام العمل والعمال وحاول بعثها قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 وغيره من القرارات والتوصيات المتعلقة بذلك.
3 عدم قدرة مكاتب التوظيف الحكومية التي نص نظام العمل والعمال في المادة رقم 39 الفصل الثالث على انشائها تحت اشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على القيام بمسؤولياتها الوطنية تجاه تسهيل عملية الحاق الشباب السعودي بفرص العمل المتاحة في القطاع الخاص, وفي اعتقادي ان مكاتب التوظيف الحكومية التي تأخذ مسمى مكاتب العمل لم تكتف بعدم قيامها بواجبها ومسؤولياتها بل انها تحولت بقدرة قادر الى نافذة مشرعة لاستقدام الايدي العاملة الاجنبية حتى اضحى المواطن السعودي لا يعرف هذه المكاتب الا بهذه المهمة وما يتعلق بها كنقل الكفالة ورخص العمل للعمالة الاجنبية.
4 عدم قدرة او تقصير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في القيام بواجبها نحو تنفيذ مواد واحكام نظام العمل والعمال وفي مقدمتها المادة رقم 42 التي تستهدف إيجاد قاعدة معلومات شاملة عن المتغيرات الهامة في سوق العمل حتى تحول سوق العمل السعودي الى عالم مجهول المعالم بلا معلومات وبلا رقيب متابع.
وعلى الرغم من انني مع كل اجراء يستهدف تصحيح واقع سوق العمل السعودي ومع كل اجراء يعجل باعطاء الشباب السعودي حقهم المشروع في الحصول على فرصة عمل مناسبة تكفل لهم العيش الكريم على ارض هذه البلاد الطاهرة الا أنه يجب الاشارة الى ان غياب الرقابة المباشرة او التقصير في متابعة عمل مكاتب التوظيف الاهلية سيؤدي الى العديد من السلبيات التي قد تساهم في تعقيد الامور اكثر مما هي عليه الآن ومن اهم هذه السلبيات:
1 تساهل مكاتب العمل التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في اداء مهامها نتيجة لقناعتها بوجود البديل الذي يتولى اداء مهامها تجاه توظيف الشباب السعودي فعلى الرغم من ان القرار قد نص على ان المكاتب الاهلية ليست بديلا لمكاتب العمل الا انه من المتوقع ان تتراخى هذه المكاتب في اداء واجبها وبصورة اكبر مما هي عليه الآن خاصة في ظل غياب الرقابة المباشرة والعجز الملحوظ في الامكانات المادية والبشرية لهذه المكاتب.
2 على الرغم من ان القرار قد نص على ان يكون جميع العاملين في المكتب المختصين باستقبال طالبي العمل وترشيحهم للعمل والمختصين بالاتصال بالشركات من السعوديين من ذوي الكفاءات المناسبة الا انني اتصور مستقبل هذه المكاتب وقد اصبحت كغيرها من مواطن العمل مرتعا خصبا لتواجد العمالة الاجنبية خاصة ان كل القرائن تفيد بأن سوق العمل بلا رقيب صارم كما يتضح ذلك من ضعف او عدم تطبيق القرارات السابقة التي يأتي في مقدمتها بالطبع القرار رقم 50 , وبالتالي فان من المفترض ان يحضر تواجد العمالة الاجنبية في هذه المكاتب تحت اي مسمى ولأي غرض حتى لا يتم استغلال المرونة المعطاة استغلالا سيئا كما هو الحال في الوقت الحاضر, يجب الا يدخل في تقدير الجدوى الاقتصادية للراغبين في فتح مكاتب اهلية سوى عنصر العمل السعودي حتى لا يأتي اليوم الذي نسمع فيه عن مستثمر فج يلوح مهددا بنقل او اقفال مشروعه الاستثماري بحجة الخسارة المالية المترتبة على توظيف الايدي العاملة السعودية.
3 على الرغم من منطقية اقرار رسم رمزي يدفعه طالب العمل كأتعاب لاصحاب المكاتب الاهلية الا اننا يجب الا نستبعد ان يستغل بعض اصحاب المكاتب مثل هذه الفرصة للحصول على اكبر قدر ممكن من المال دون ان يبذل جهداً في سبيل ادائه لمسؤوليته كما لا نستبعد ان يلجأ بعض ضعاف النفوس من اصحاب المكاتب الاهلية الى الهرب بأموال المتقدمين وبالتالي فان من المفترض ان يكون لكل مكتب حصة محددة من المتقدمين لا يسمح له بتجاوزها على الاطلاق على ان يدفع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية مبلغاً مالياً يساوي ما يدفعه العدد المحدد للمكتب كتأمين يعاد له بعد تصفية نشاطه.
4 قد يلجأ بعض اصحاب الاعمال الى هذه المكاتب للحصول على ما يفيد بعدم وجود متقدم سعودي ويتخذ ذلك ذريعة للتقدم بطلب استقدام ايد عاملة من الخارج وبالتالي فاننا نتمنى ان تكون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حذرة في التعامل مع مثل هذه المبررات المغلوطة.
واخيرا كنت اتمنى ان يسبق انشاء هذه المكاتب تقويم شامل لاداء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبشكل خاص مكاتب العمل للتعرف على الاسباب الرئيسية وراء عدم قيامها بواجبها تجاه مواد وتوصيات المنظومة التنظيمية ذات العلاقة بسوق العمل, اعتقد جازما اننا لن نكون في حاجة لهذه المكاتب لو قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومكاتب العمل التابعة لها بمسؤولياتها النظامية وبشكل خاص تجاه مواد الفصلين الثاني والثالث من نظام العمل والعمال وتجاه مواد وتوصيات القرار رقم 50, اعتقد ايضا ان المشكلة ليست مشكلة تنسيق بين صاحب العمل وطالبه ولكنها مشكلة تنظيمية صرفة لا يمكن ان تحلها مكاتب التوظيف الاهلية دون ان يكون لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية استراتيجية ثابتة ووقفة صادقة وصارمة مع مستجدات ومتغيرات سوق العمل السعودييجب على هذه الوزارة وفي كل الاحوال ان تحمي الانظمة والقرارات التي تقع تحت دائرة مسؤولياتها وعندها سنجد اننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الاستراتيجية الوطنية الخاصة بتوطين فرص العمل.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية