جميلة هي بلاشك,.
رفيقاتك كلهن تزوجن، الا انت,,!!
لشد ما يطحنها هذا الشعور، شعور النقص المنبعث من رحم التمام!
حباها الله وجها نورانيا,, وبسطة في الجمال,, وضحكة ساحرة,,غابت عن شفتيها منذ سنين,.
في طفولتها البيضاء كان اقاربها قد تكهنوا لهذه الصبية بمستقبل مشرق في عوالم الجمال الناضج,, بل كانوا يحسدون سعيد الحظ الذي سيظفر بها!
ولكنها حين اصيبت في رجلها اليسرى وحرمت المشي السوي والحركة المطمئنة,, انقلبت حياتها,, وغاض الجذل في سحنتها، فلم يكن جمالها ذلك الا صورة رائعة للالم,, ولوحة بديعة من لوحات الشقاء,.
لماذا تحرم هي من نعمة الزواج؟ وكيف يضل طريقها الخاطبون؟ ثم لماذا تزوجت رفيقاتها اللاتي هن اقل منها جمالا واخلاقا؟!!,, كانت سحابة يومها تنقضي وهذه الاسئلة الناقمة تضج في جنبات روحها,.
كما حاولت شقيقتها التي تشاطرها الحجرة ان تخفف عنها بعضاً من ألمها، او تلج الى عالمها الصامت!
لكن محاولاتها كانت تنتهي بفشل متوقع.
كلما حاصرتها الاسئلة، واسودت في صدرها الظنون,, اتجهت صوب النافذة,, تلك النافذة التي أبحرت خلالها عصافير احلامها المنكوءة، كانت تجد فيها سلوة عما هي فيه,, وخلوة بأطيار جراحها النافرة!
هي واحدة من اولئك اللاتي يبكرن في اليقظة، تصنع لنفسها كوبا من الحليب لترتشفه امام النافذة وتقرأ اوراقا من دفاترها القديمة المتوردة بزهو الامل,, ثم تعود الى سريرها في الظهيرة لتنام مرة اخرى الى ما بعد العصر,, تستيقظ مثقلة، تجر قدمها بتثاقل باتجاه النافذة مصطحبة كوبا من الشاي هذه المرة,.
في ذلك المساء استطار اهتمامها شاب يجلس على دكة اسمنتية في آخر الشارع الذي تطل عليه النافذة ,, رصدته ذات نظرة وهو يخاتلها بعينيه ال,,,! ، لاحظت فيما بعد انه كان يجلس هناك ليلة بعد ليلة، لم تكن تصحو من رقدتها المسائية الا وهو قاعد في المكان ذاته بنفس قميصه الرمادي يتأمل برواز طاقتها وصورتها القابعة في وسطه.
حارت في امر ذلك الشاب,, فكرت الف مرة,, وحلمت اكثر من مرة في منامها وفي يقظتها,, وتخيلت جدلا,, انه ربما,, كررتها اكثر من مرة,, ربما,, احبها حين رأى جمال وجهها، لكن السؤال الذي ينخس خاصرة الحلم,, هل كان سيحبها لو علم بدائها الذي صرف عن حقولها بكل بارقة امل؟!
بينما كان الشاب يحرص على اقتعاد دكته مساء كل يوم,, نما في داخلها هاجس الامل وطغى رواء الحب على كل مد سواه,, فعاشت بعثا جديدا من وهدتها التي غرقت فيها سنينا,.
لم تعد تتأخر عن خلوتها المسائية التي لم تعد خلوة! كانت تقتضي مساءها الحالم تنقل بصرها بين سطورها القديمة,, ووجه فتاها الصامت البعيد، وبين هذا وذاك مساحة خضراء مورقة,, اخلولقت اسارير التفاؤل على محياها,, واضاءت البسمة بعضاً من انفراجات شفتيها,, وعادت تردد مقاطع من اغان قديمة كانت قد نسيتها ردحاً من الدهر,.
لاحظت شقيقتها هذا التحول في حياتها واستبشرت خيرا,, دون ان تعثر على سبب يبرر الفتح الذي تعيشه اختها!
ذات صباح,, وهي ترشف آ ر جرعة من كوب الحليب الدافىء,, تناولت كراستها العتيقة قرأت لبعض الوقت، ثم امسكت قلمها,, سقط القلم فجأة,, تنهدت بعمق لقد نسيت اناملها الطريقة التي كانت تقبض بها على القلم!,, لا بأس، سلت قلمها وفتحت صفحة جديدة,, وكتبت,, كتبت سطوراً هلامية عن الحب والحياة والامل,, كانت مساحة املها قد تجاوزت حدود الورق! كتبت عن اشياء اخرى كثيرة,.
امتد بها الوقت حتى انسل موعد قيلولتها,, ختمت كتابها بامضاء قديم تتداخل خطوطه بعشوائية، ثم نهضت الى سريرها,, لم تكن تريد النوم,, شرعت تقرأ ما سطرته، كان خطها رديئاً اخذ النوم بأجفانها فنامت,, نامت بعمق,, عندما استيقظت كان قرص الشمس قد توارى الا اقله، هبت من فراشها مذعورة, اسرعت باتجاه النافذة,, في طريقها تعثرت وسقطت,, لقد اعتمدت على الرجل الخطأ! لملمت جسدها وشظايا املها في لفتة من عيني,, حبيبها ,, وصلت لاهثة الى النافذة,.
كانت خيوط الشمس تنسحب بهدوء,, فتحت الشباك,, نظرت الى الدكة,, لم تجده هناك,, لمحت وجهه في آخر الشارع,, كان يمشي معتمداً على قدم ثالثة.
ديسمبر/99م