مطار غزة رمز السيادة الفلسطينية ونافذة كبيرة فى جدار الحصار الإسرائيلي المستوطنات الإسرائيلية محاطة بأسوار اسمنتية وأسلاك شائكة تحت حراسة جنود مذعورين * موفد الجزيرة: جاسر عبدالعزيزالجاسر |
في الثانية عشرة والنصف بتوقيت المملكة وبأقل من هذا التوقيت بساعة واحدة بتوقيت فلسطين وفي اليوم الاخير من كانون الثاني/يناير من عام 2000 هبط اربعة عشر رجلا هم الطليعة السعودية الاولى التي تدخل ارض فلسطين المحررة.
ففي هذه اللحظات التي عدها جميع اعضاء الوفد السعودي بأنها لحظات تاريخية وهي بالفعل كذلك ترجل الجميع من طائرتي الرئاسة الفلسطينية اللتين بعثهما الرئيس ياسر عرفات لنقل اعضاء الوفد من مطار العريش بجمهورية مصر العربية الى مطار غزة الدولي الذي يسميه الفلسطينيون ايضا مطار عرفات الدولي.
اذاً مطار غزة الدولي هو البوابة التي يدخل من خلالها عشاق فلسطين ومن تلك البوابة دخلنا فلسطين المحررة، لنستقبل من اخوة لنا كانوا يتشوقون لقدوم العرب لهم ليروا واحدا من اهم انجازات السلطة الوطنية الفلسطينية، فمطار غزة الدولي يمكن اعتباره الانجاز الاقوى والابرز الذي حققته السلطة الفلسطينية، وكونه انجازا ملموسا تجسد على ارض الواقع كخطوة كبيرة نحو تحقيق الحلم الفلسطيني اقامة الدولة الفلسطينية، تحول حفل افتتاحه الى عرس شعبي كان الاضخم والاكثر فرحا بعد عرس عودة عرفات بحيث عجزت الشرطة الفلسطينية عن ضبط الخمسة آلاف شخص الذين احتلوا المدرج وحولوه الى ساحة رقص، لم يلبث رجال الشرطة ان انضموا الى الناس يرقصون ويغنون وسط غابة من الاعلام.
يومها كنت اتابع حفل افتتاح مطار غزة في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1998 من خلال النقل المباشر لإذاعة فلسطين قول احد المواطنين الفلسطينيين الذين هرعوا الى المطار يحتفلون، قولا يترجم حقيقة ما يشعر به كل الفلسطينيين آنذاك وحتى الآن يقول انه اليوم الاول الذي اشعر فيه، انني مستقل وحر ، ولعل هذا الشعور هو الذي دفع يومها وزراء السلطة الفلسطينية وقادة الاجهزة الفلسطينية، ان يتخلوا عن وقارهم للحظات رغم كبر سن بعضهم ليشاركوا في حلقات الرقص، ويضربوا بأقدامهم على اسفلت المطار مؤدين الدبكة الشعبية الفلسطينية وسط الزغاريد والهتافات التي تعبر عن الفرحة بهذا الانجاز.
يومها قال ياسر عرفات: سنتمكن قريبا من الاقلاع من هنا للصلاة في القدس وقد لا يحدث ذلك في وقت قريب جدا، ولكنه سيحصل حتما ان شاء الله ولكن التحول الذي احدثه افتتاح ووجود منفذ دولي لفلسطين المحررة المتمثل في المطار مهم,, ومهم جدا,, ففي هذا المطار الواقع يستطيع الفلسطينيون استقبال من يريدونهم حتى وان ماطل ورفض الاسرائيليون مثلما حصل مع الوفد السعودي,
من هذا المطار بدأ الفلسطينيون وزوارهم يمتلكون طائرات فلسطينية ومصرية ومغربية واردنية وتركية وقبرصية تنقلهم من مطار عرفات الى عمان والقاهرة وجدة وقبرص واسطنبول.
وهكذا تحول المطار الذي سخر سيىء الذكر نتنياهو من عرفات بقوله ليحول عرفات مطار غزة الى ملعب كرة قدم تحول الى نافذة ليس لدخول فلسطين والتوجه منه الى باقي ديار العالم بل تمكن الفلسطينيون من تصدير فاكهتهم وخضارهم وسائر منتوجاتهم مباشرة من المطار خاصة بعد ان فتحت الاسواق الاوروبية لهذه المنتجات فتصل الى الاسواق الخارجية طازجة وسليمة فلا تذبل وتفسد وتصبح غير صالحة عبر نقاط التفتيش البرية الإسرائيلية التي كان ضباطها يتعمدون تأخيرها.
ومطار غزة الدولي كلف 250 مليون دولار ويبلغ طول مدرجه 3000 متر وعرضه 60 مترا وهذا كاف لاستقبال طائرات بوينج 747 وايرباص 300A ويستوعب سبعمائة ألف راكب في السنة بأسعار ادنى من الاسعار المطبقة في مطارات اسرائيل وهو ما يشكل مزاحما قويا، رغم ان استعماله محظور على الاسرائيليين ورغم ان الاسرائيليين في النقب يلحون على حكومتهم بالسماح لهم باستعمال المطار,, الا ان عدم رغبة الفلسطينيين وتخوف الحكومة الاسرائيلية ولأسباب امنية، يجعل المطار حتى الآن نظيفا من الاسرائيليين.
ويغلب على مباني المطار الفن المعماري العربي الإسلامي، فالأقواس والقبب تذكر بالقدس الشريف والزخارف والنقوش تذكر بالفن الاندلسي والمغربي الحديث، والاعمدة والدوائر بالفن المعماري العربي الشرقي,.
من هذه البوابة، رمز المضاف لرموز السيادة الفلسطينية، دخل الوفد السعودي الى ارض فلسطين، وبصحبة مدير العلاقات العامة في البنك السعودي للتنمية الاستاذ ضويحي الضويحي تسلم ضابط الجوازات الفلسطيني جوازات سفر اعضاء الوفد حيث تم ختمها بختم السلطة الفلسطينية مطار غزة الدولي .
وهكذا اصبحنا في ارض فلسطين المحررة، وبعد مراسم الاستقبال التي اجريت للوفد حيث كان ممثل الرئيس ياسر عرفات ووزير الصحة الفلسطيني الدكتور رياض الزعنون في مقدمة المستقبلين، وبعد مؤتمر صحفي لرئيس الوفد الاستاذ محمد بن عبدالله الصقير، انطلق الوفد مستقلين سيارات الرئاسة التي خصصها الرئيس ياسر عرفات لاستعمال الوفد طيلة وجوده في فلسطين.
وانساب موكب السيارات مخترقا شوارع رفح حيث اخذت نسمات الهواء المعبأ بأريج البرتقال تلامس وجوهنا، ومنذ الوهلة الاولى اكتشفنا الحالة المأساوية التي يعيشها اهل فلسطين، فقد ورَّثت سلطات الاحتلال الاسرائيلي، السلطات الفلسطينية تركة ثقيلة محملة بمسؤوليات جسيمة فالطرق تحتاج الى جهود جبارة لاعادة تأهيلها ورصفها وعمل شبكات للصرف الصحي، حيث كانت الشوارع ممتلئة بالمياه بعد امطار غزيرة شهدتها غزة قبل ايام من وصولنا، وعلى جانبي الطريق تشكو المنازل والبيوت سنوات الاهمال التي فرضتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي حيث منعت تراخيص البناء وحتى تراخيص التصميم.
اجتزنا رفح ودخلنا دير البلح المدينة الفلسطينية التي اخذت اسمها من نخيلها وهناك قابلتنا المفاجأة غير السارة عند رؤية العلم الإسرائيلي مرفوعا على احد المواقع سألت المرافق ما معنى هذا أجاب بهدوء هذه مستوطنة اسرائيلية اخذت اتفحص المكان، أسوار عالية من المباني الاسمنتية تحيط بها اسلاك شائكة وعند طرفيها الشرقي والغربي يرتفع برجان مغلفان بأكياس من الرمل يقبع خلفهما داخل كل برج اسرائيلي بملابس عسكرية شاهرا مدفعا رشاشا، ضلع المستوطنة التي تجاوزناها لا يزيد على المائة متر ربما عمقها اطول، الا ان الذي لاحظته انها داخل الاحياء الفلسطينية، وتخيلت كم مدفعا رشاشا يكفي لحماية هذه المستوطنة في غضب اهالي الاحياء التي تحيط بالمستوطنة,,!!
خرجنا من دير البلح لندخل خان يونس، وهناك قابلتنا مستوطنتان على جانبي الطريق يربط بينهما ممر علوي على شكل جسر، المستوطنتان اكبر من سابقتيهما وتظهر مبانيهما الا ان التحرز الامني والاسوار الاسمنتية العالية والاسلاك وابراج الحراسة والمراقبة وفيها جنود اسرائيليون شعرت بأنهم اكثر خوفا من الشبان الفلسطينيين الذين يجرون أمام أسوار المستوطنات دون اي اكتراث، ربما لإيمانهم بأن اقامتهم لن تطول كثيرا، ومن خان يونس سلك الموكب شارع البحر، حيث زرقة مياه البحر الابيض المتوسط تخفف من هموم رؤية العلم الاسرائيلي ومستوطنات الاحتلال، إلا اننا ايضا صدمنا برؤية مستوطنة اخرى، دمامل متناثرة في جسم الوطن الفلسطيني ومن شارع البحر دخلنا طريق صلاح الدين الطريق الذي ساهمت المملكة في إعادة تأهيله ليكون مدخلا لمدينة غزة,, المدينة الصامدة التي تمنى عتاة الحكم الصهيوني ان يبتلعها البحر,, في هذه المدينة الصامدة الرائعة بأهلها، الجميلة بهوائها، ابتلعتنا بحياتها واستقبال اهلها الطيبين الذين اظهروا مودة خاصة بالرجال الذين تعلو هاماتهم الغتر البيضاء والشمغ الحمر.
|
|
|