أوضحت تقارير اقتصادية أمريكية انه على الرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة الامريكية خلال عقد التسعينيات إلا ان نمط توزيع واستفادة فئات وطبقات المجتمع من هذا النمو المتحقق والزيادة في الدخل كانت في غير صالح الفئات المتوسطة الدخل والفقيرة والتي انخفض دخلها الحقيقي احيانا في حين استأثرت طبقة الاغنياء بالنسبة العظمى من الزيادة في الدخل, وهذه الاحصائيات والبيانات ليست بمستغربة إذ أن تحقيق نمو اقتصادي لا يعني بالضرورة توزيعا عادلا للدخل أو للثروة، فالنمو الاقتصادي الذي يشهده المجتمع لا يتوقع ان يستفيد منه كافة افراد المجتمع بشكل تلقائي بل لابد من توافر آليات معينة تضمن تحقيق العدالة في هذا الجانب, وتحقيق العدالة هنا مطلب ضروري إذ ان الجميع يشارك في عملية احداث النمو الاقتصادي فالمفترض ان يستفيدوا جميعا من مكاسب هذا النمو.
وفي حالات النمو الاقتصادي والتوزيع المشوه لمكاسبه يتوقع ان تزداد نسبة ذوي الدخول المحدودة والفقراء في المجتمع وتبدأ هذه الفئة في استقطاب بعض افراد الطبقة المتوسطة وذلك لان محدودية الدخل والفقر أمران نسبيان، فالأسرة التي كانت تصنف على انها من الاسر متوسطة الدخل قبل عشر سنوات ربما تصنف الآن على انها من الاسر محدودة الدخل او الفقيرة طالما ان دخلها النقدي الحالي لا يعد كافيا لتوفير مستوى معيشة الاسر المتوسطة في الوقت الحاضر والذي يتغير تبعا لتغير الاذواق وتنوع واختلاف الحاجات والسلع والخدمات وتبعا لتغير الاسعار, فعلى سبيل المثال المنزل الذي كان مناسبا لسكن اسرة متوسطة الدخل قبل عشر سنوات قد لا يكون كذلك الآن وعليه فإن المتوقع ان يؤدي التفاوت الكبير في الدخول الى اتساع رقعة الدخول المتدنية والفقر في المجتمع,ولو نظرنا إلى الطبقة الوسطى لوجدنا ان الاهتمام بهذه الطبقة وبمستوى معيشتها امر في غاية الاهمية بالنسبة للمجتمع ككل من عدة جوانب اقتصادية واجتماعية وغيرها, فأفراد هذه الطبقة هم عادة اصحاب الدخول الثابتة من الموظفين والعمال في القطاع العام والخاص والذين تتأثر دخولهم الحقيقية بالارتفاع في الاسعار المصاحب عادة للنمو الاقتصادي, وعادة ما يكون مستوى اغلبهم الثقافي ووعيهم اعلى من الطبقتين الأخريين، وهم اكثر مساهمة في الانتاج الحقيقي الذي يحققه المجتمع, يضاف إلى ذلك زيادة حجم استهلاكهم الكلي إذ يمثل النسبة الاكبر من الاستهلاك الكلي للمجتمع، وبالتالي ولهذه الامور وغيرها فإن انخفاض الدخول الحقيقية لافراد هذه الفئة امر غير مناسب ويترك اثاراً سلبية على العديد من الجوانب.
وتصبح المشكلة اكبر عندما تزداد دخول الطبقات الثرية والفنية نتيجة للاستثمار وللارتفاع في اسعار العقار والاسهم والتي لا تضيف شيئا حقيقيا للناتج القومي, بينما تنخفض الدخول الحقيقية لافراد الطبقة المنتجة والتي تضيف إلى ناتج المجتمع الحقيقي والتي هي الطبقة المتوسطة, وحتما سيشعر افراد هذه الطبقة والحالة هذه بالاحباط حينما ترى ان ناتج جهدها وثمرة عملها يترجمان في شكل زيادة في دخول افراد آخرين وحينذاك سيخسر الجميع,وتفسر الاثار السلبية الاقتصادية والاخلاقية والاجتماعية لمشكلة تدني الدخول وتفشي الفقر وعدم عدالة التوزيع الاهتمام المتزايد من قبل الحكومات والهيئات الدولية بهذه المشكلة وحرصها على دراسة ووضع الحلول المناسبة لها ولعل من اكثر القضايا ازعاجا لحكومات الدول المتقدمة صناعيا في جانب اتساع رقعة طبقة اصحاب الدخول المتدنية على حساب الطبقة المتوسطة تزايد الالتزامات والمخصصات المالية الموجهة نحو برامج الرعاية الاجتماعية وفي نفس الوقت تناقص الضرائب التي يدفعها افراد الطبقة المتوسطة الى الحكومة, لهذه الاسباب وغيرها تنامى الاهتمام في الآونة الاخيرة بالوسط وأصبحت قضاياه واهتماماته هي المحور لدى متخذي القرار بل اصبحوا هم متخذو القرار في العديد من الاحيان إما بشكل مباشر او غير مباشر.
* قسم الاقتصاد والعلوم الادارية - جامعة الملك سعود