يدور في كثير من المجالس النقاش حول المقررات المدرسية وكثافتها بالنسبة للطلبة الصغار,, ويتأفف كثير من المناقشين بسبب هذه الكثافة العلمية في المقررات أو ما يسمونه بالحشو، وبعضهم لا يفرق بين الحشو والكثافة العلمية، وغالبا ما يكون هذا النقاش سطحيا ذا قشور لا لب فيها على طريقة (رأيت الناس يقولون شيئا فقلته),, صحيح أن الحشو في أي شيء غير مرغوب فيه إلا ما كان حشو أطعمة أو حشو أرائك,, لان الحشو اللفظي تكرار لا فائدة فيه لكن ان تكون المادة المدرسية غزيرة المعنى,, ذات عطاء فكري متميز فهذا ما يتطلبه الاسلوب الجيد في طلب العلم ولقد كنا ونحن في مرحلة طلب العلم نحفظ كثيراً من المواد الاساسية سواء في الدين أو اللغة.
وقد اثر فينا هذا كثيرا وزوّدنا بزاد علمي هو الوقود المطلوب لسفينة الكسب المعرفي, وفي التاريخ القديم برز في المجتمعات العربية من بهر العلماء الكبار والخلفاء بالتميز في الكسب العلمي على حداثة سن، والتاريخ مليء بالقصص, وفي عصرنا هذا (السندوتش) برز صغار في السن بهروا العالم وتحدثت عنهم وسائل الإعلام,, وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير الصغار اذا ما نزل به الامر المعضل,, وكان هارون الرشيد الذي افترى عليه الشعوبيون بافتراءات باطلة يشجع الصغار والعلماء على طلب العلم, فلقد كان الغلام يستظهر القرآن الكريم وهو ابن ثماني سنين، كما كان يثير الغرابة في استظهار العلوم الفقهية وهو ابن الحادية عشرة,, وعليه فان التشجيع للطفل يجعله يركز على ما طلب منه كما ان عناية المدرس بذلك لها دورها الايجابي، إلا اننا لاحظنا في الاخير ان الاساتذة عراهم نوع من الفتور فلم يعودوا كما كانوا، كما ان بعضهم لا ادرى كيف تخرّج وأعطي مهنة التدريس.
ان التشجيع الدائم وحث الطفل على المذاكرة مع الحفظ يجعل ذهنه يتفتق عن قدرات لا تطرأ على البال، وهذا نلاحظه عندما يكون لدينا في المدرسة طالب خامل، ثم يركز عليه المدرس وأهله,, ويتابعون خموله لاستئصاله ويبذلون جهدا في حثه على الكسب العلمي والجدية في ذلك فاننا نلاحظ بعد حين تغيرا كبيرا في السلوك الدراسي وكان من زملائنا في دار التوحيد (رد الله غربتها) زميل لا ينجح إلا في الدور الثاني وكانت المقررات غاية في الغزارة والشمولية,, وبعد حين وعندما وصلنا كلية الشريعة رأيناه يتسنم المركز الأول على الطلبة, شجّعوا أبناءكم تروا العجب العجاب.
راشد الحمدان