عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
الاستقرار الوظيفي والرضا الوظيفي مطلبان مهمان لعملية الانتاج ولجودة المنتج ونظرا لطبيعة العمل الوظيفي ورسميته فان الكثير من السالكين هذه المهن لم يصلوا الى درجة الرضا الكامل بوظائفهم ومستواهم الوظيفي.
ومهما اختلف الموظف او اختلف القطاع الا ان الشكوى واردة وحب المقارنة والمفاضلة طبيعة جبلية في الآدمي.
ولو اخذنا شريحة من هؤلاء والتي تعد الاكثر عددا والأبعد انتشارا والتي هي شريحة المعلمين لوجدنا ذلك ظاهرا ويكاد يشكل ظاهرة.
ان كثيرا من المعلمين غير مقتنعين بمستواهم الوظيفي بل كثير منهم يرى انه بحاجة الى مميزات اخرى تعادل ما يقوم به من جهد وعناء في وظيفته.
ولاشك ولاريب ان مهمة التعليم شاقة ويبذل المخلصون فيها جهدا لايكاد يوصف خاصة في واقعنا المعاش؛ لان الطالب ابتعد عن المعلم وزادت الهوة بينهما ففي السابق كان الطالب يبتعد كل عشر سنوات خطوة واليوم يبتعد كل سنة خطوة، ما ندري فقد يأتي يوم يبتعد الطالب عن المعلم كل يوم خطوة!!
ومع هذا فلابد للمعلم ان يسد هذه الهوة بينه وبين الطالب فاذا ابتعد الطالب خطوة اقترب منه المعلم خطوتين، ولن يتأتى هذا طالما ان المعلم يتبرم ويشتكي فاذا لم يتحقق الرضا الوظيفي من قبل المعلم والاقتناع الكامل بهذه المهنة فان الفجوة ستستمر والخاسر فيها المجتمع.
ان تحقق الرضا الوظيفي وحب المهنة لن يأتي للمعلم وانما المعلم هو الذي يذهب اليه فلابد ان يكون نابعا من داخل المعلم وذلك من خلال نظرة موضوعية شمولية ثاقبة يطرحها المعلم على نفسه وعلى المحيطين فيه ويتلمس المميزات الايجابية التي يرفل بها وحرم منها الآخرون ومنها الاجازة السنوية واجازة الرببع وحرية التنقل من مكان الى آخر داخل المنطقة او بين المحافظات والقرب من مكان العمل وهذه لعمري حرم منها كثيرون فأكاد اجزم ان اكثر من 80% من المعلمين يعملون بالقرب من اماكن اقامتهم الدائمة.
ومنها العلاوة السنوية الثابتة والامن الوظيفي المتمثل في عدم المنافسة من اجل الترقية او تأخرها كما يعاني منه الاخرون.
ومع هذا فقد لا يأتي التبرم وعدم الرضا الوظيفي من قناعة تامة من قبل بعض المعلمين بل يأتي ذلك نتيجة (العقل الجمعي) والتأثر المباشر بالزملاء والجلساء خاصة ان المعلمين ولله الحمد هم اكثر شرائح الموظفين تلاحما ولقاءاتهم مستمرة خارج الدوام المدرسي فهم غالبا ما يلتقون في (دوريات) و(كشتات) وهذه منقبة للمعلمين ولكن تبادل (التأوهات) و(التأففات) من العمل تؤدي بطريقة غير مباشرة الى سريان جرثومة عدم الرضا الوظيفي التي هي مقاومة للانتاج.
لقد سمعت ورأيت من يندب حظه ويشكو واقعه الوظيفي وهو آمن في سربه الوظيفي فنصابه لم يتجاوز (15) حصة ومنزله لا يبعد سوى (ثلاثة كيلومترات) عن عمله وراتبه يتجاوز العشرة آلاف بل رأيت من يتبرم ويسعى الى التقاعد المبكر وهو في الاسبوع الثاني من بداية عمله الوظيفي.
كل هذه الارهاصات لم تأت من فراغ وانما اتت نتيجة (العقل الجمعي) و(العدوى الوظيفية).
ولاشك ان المعلم يبذل جهدا جبارا وانه يستحق المزيد من المميزات ولاعجب ان يعطى اكثر من غيره فرسالته سامية ومهنته شريفة وعمله دؤوب فهو يحترق ليضيء للآخرين.
ولكن الملاحظ ان الجميع يشتكي والكل يردد عبارات التبرم والتأفف سواء من كانت خبرته سنة او من كانت خبرته ثلاثين سنة.
ومن نصابه اربع وعشرون يشتكي ومن نصابه خمس عشرة يشتكي، ومن يقطع (300) كيلو يشتكي ومن يبعد عن عمله ثلاثة كيلومترات يشتكي ايضا.
صاحب المستوى الخامس والسادس يتذمر وصاحب الثالث والبند كذلك من يعمل في مبنى مستأجر يتأفف ومن يعمل في مبنى حكومي حديث يتأفق ايضا ومع هذا وذاك فلا بد ان نحدد من يشتكي ونعين من يتأفف ونقارن وضعنا بوضعه فان كان كذلك فكل له شأنه وقدرته على التكيف مع واقعه وان كان حالنا احسن ممن يشتكي ويبرر شكواه فنحمد الله ونثني عليه ويزيدنا هذا انتاجا وابداعا في مجال عملنا.
وجملة القول اننا بحاجة الى معلمين راضين عن ادائهم ومقتنعين بوظيفتهم فالرضا عن الاداء لا يتحقق الا بالايمان باهمية هذا الاداء وجودة الاداء بوابته حب المهنة والرضا بها ومهما اعطي المعلمون فهم يستحقون ولكن المعلمين الاكفاء اذا اعطوا رضوا وقدروا واذا لم يعطوا رضوا.
* اشارة:
ما اضيق العيش لو لا فسحة الامل:
محمد بن شديد البشري
مشرف تربوي مركز شرق الرياض