قال قيس بن عاصم المنقري:
إني امرُؤٌ لا يعتري خلقي دنس يفنَّده ولا أَفنُ من معشر من بيت مكرمة والغصنُ ينبت حوله الغصن لا يفطنون لعيب جارهم وهم لحسن جواره فطن |
قلت ليس هذا القول بأفضل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول في حق الجار: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيرورثه (1) .
والقول في هذا الشأن كثير، انما الذي يلفت النظر في الأبيات السابقة مروءة قيس بن عاصم، وما جبل عليه من الخلال، فالرجال معادن كما دلّ على ذلك الحديث الشريف، ينفي الشاعر عنه معاني الخطل والقصور، ويثني بأرومته واصله حتى انه ليحسن في قوله والغصن ينبت حوله الغصن .
ويزيد الحسن في بيته الثالث، حتى يظهر ما يقصر عنه الآخرون، همة عالية تسمو بها ثقة حقيقية، لا تفسح المجال لبعض الظنون وتزيل سوء الظن، ولا تدعه ينمو حيث تزيد الكراهية والخلف، فنحن اذن ازاء شريحة انسانية تتقي الشر، وتربي المحاسن وتغذوها ، والمحصلة القبول ، واذابة الشرور ودفعها، ليس من احد يكره حسن الخلق ويتجافى عنه، وانما هو عطاء من الله وفضل، قد يتخلق المر بالخلق الحسن ما اعانه الله عليه، ولكنه لا يلبث حتى يعود لطبعه ومعدنه، حيث يدفع الحسن بالقبح لخصلة ذميمة فيه، كأن يغضب، او يكره ، او يحسد، او يغتر او يجهل ، فيذهب بعمله هذا كل ما بناه من قبل، ولله زماننا حيث تساوى الناس، يظللهم الامن، ويشايعهم الواقع من اسباب العيش الكريم الوارف، فلا يتبين الطيب من الرديء ، حتى اذا حمّت الادواء عرف الجوهر، وعندئذ يتفاوت الناس في مكارمهم، وصدق المنقري، اذ يقول:
لا يفطنون لعيب جارهم وهم لحسن جواره فطن |
الحواشي:
(1) محمد ناصر الدين الالباني، صحيح سنن ابن ماجة 2/296.