لا أريد أن أظهر وكأنني غاوي مشاكل وليس لي من عمل أقوم به غير تتبع سطور الكتاب، وكتاب الجزيرة على وجه التحديد، فما أن انتهيت من مناوشة الكاتب الاستاذ محمد الحمدان، حتى شمرت كمي وأشرعت قلمي للبحث عن زبون جديد! غير أنه يعلم الله أن التعقيب المرفق كنت قد كتبته قبل فترة طويلة لكي يظهر في زاويتي الأسبوعية نافذة بجريدة عكاظ, غير أن بعد موعد النشر وانشغالي حاليا بقضية المرور وردود فعل القراء سيؤخر ظهور هذا التعقيب مما سيجعله غير ذي معنى للقارئ المتابع، فما كان مني إلا أن أتوكل على الله وأرسله للصديق القديم الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة الذي لاشك أنه سيجد له محلا في الصفحة الناجحة عزيزتي الجزيرة إن لم يكن لقيمة الموضوع نفسه، فلربما لما يربطنا من معرفة قديمة تعود إلى يوم كان هو رئيس تحرير الجزيرة في فترته الأولى ، وكنت أنا أحد كتابها التابعين لامبراطورية الجزيرة الصحيفة التي كانت تستحوذ على عدد كبير من القراء، والتي نرجو لها أن تستعيد أمجادها السابقة إن شاء الله, والآن إلى صلب موضوع تعقيبي الجديد.
تحت عنوان: أدعو إلى اللامساواة ، في جريدة الجزيرة16/10/1420ه كتب الدكتور أنور عبدالمجيد الجبرتي مقالا ممتعا أعلن فيه انحيازه إلى المرأة,, انحيازا وصفه بأنه لا يقبل الحياد إيجابيا أو سلبيا , وبعد أن استعرض ما تحقق من نتائج في مسيرة التنمية الشاملة التي شهدتها المملكة، وما أولته لتعليم المرأة وشؤونها في ظروف اجتماعية صعبة كان نتاجهامعلمات وطبيبات واستاذات جامعة واخصائيات حاسب آلي وأديبات وكاتبات، ينتشرين في مواقع المجتمع المختلفة، ويساهمن في بناء هذا الوطن العظيم وتطويره , غير أنه وبعد عرض مختصر لما تحقق للمرأة نجده يطالب بإبقاء المرأة في المطبخ!؟ والسؤال هنا هو: كيف يستقيم انحياز الكاتب إلى المرأة مع تلك الدعوة العجيبة؟ تتضح الإجابة على هذا اللغز الجبرتي المحير من خلال الاطلاع على مواصفات مطبخ الدكتور الجبرتي,, فهو مطبخ غير عادي لا يتحمله كثير من الرجال! فقد صممه الدكتور خصيصا للجنس الناعم جعل فيه للمرأة السعودية قصب السبق في مجالات لايمكن أن ينافسها فيه طرف آخر، فحرارة مطبخه لا يتحملها غيرها:
* فالتعليم النسائي,, هو مملكتها المطلقة لا مكان فيها للرجال.
* ومجال الخدمات الصحية,, نجد أن المرأة هي أبرز عناصره، وينبغي أن تكون فيه عامل طرد للعمالة النسائية غير الوطنية.
* أن هناك كثيرا من مواقع العمل هي في حاجة الى العنصر النسائي مما يستدعي تنظيم عملها، وتغيير أنظمته وإجراءاته على نحو يزيل,, التوتر والتناقض الذي نواجهه جميعا، وبحيث تكون اكثر انتاجية في عملها، واقدر على القيام بمسؤولياتها في أسرتها .
لذا فإن الدكتور الجبرتي يرى أن أولئك الذين يعتقدونأن أي محاولة لاعادة تفصيل الوظيفة العامة او الوظيفة الخاصة لكي تستوعب ظروف القادمات الجدد الى ميدان العمل ستؤدي إلى الاخلال بالمساواة التي تكفلها الأنظمة والاجراءات ، هم على حق,.
* ولكنه يقول: فليكن ذلك.
* فلتكن هناك لامساواة لصالح المرأة وإلى جانبها,,, ومعها.
ورغم ما قد يواجه دعوة الدكتور الجبرتي من شجب واستنكار من معسكر الرجال أو من بعض جماعات أو أفراد في ذلك المعسكر,, ألا أننا معه,, وإذا كان هو منحازا للمرأة قيراطا واحدا، فنحن معهامائة قيراط,, وحتة! ولكن، هل ما يقول به الكاتب هو واقع فعلي أم مجرد حماس كتابي أشعل له الدكتور الجبرتي قلمه فانطلق ساخنا يخط على الورق آمالا وتطلعات أكبر مما تحقق فعلا أو يمكن أن يتحقق على أرض الواقع؟
بداية ، لا نشك أن ما تحقق في مسيرة تعليم المرأة في المملكة هو إنجاز فعلي تحدى كثيرا من الصعاب والعوائق، غير أن هذا لا يلغي كمّ الصعوبات التي مازالت تواجه المرأة ليس في المملكة فقط بل وفي مختلف البلدان العربية عامة وتحد من مشاركتها الفاعلة في مسيرة التنمية, ففي دراسة نشرتها جريدة الحياة اللندنية22/ 1/2000 للباحثة الدكتورة نادية قاسم عن المرأة العربية ومؤشرات التنمية البشرية تتحدث الباحثة عن المشكلات التي تمثل تحديات لادوار المرأة العربية، في مقدمها ارتفاع نسبة الأمية التي تصل الى أعلى مستوياتها في اليمن بين النساء فوق سن ال25، بمعدل 96,5% ، يليها المغرب 89,5% وتصل في الجزائر إلى 79,5%، ومصر 78%، فيما تقل الى 38% بين النساء في دولة الامارات، و 40% في الأردن، و 35% في قطر، ولم تذكر أي نسبة مئوية في المملكة، غير أن الدكتور الجبرتي قد طمأننا على هذه الجزئية.
وقد أخذت الدراسة المجتمع المصري الذي حققت فيه المرأة قصب السبق مقارنة بالمجتمعات العربية الأخرى، فتصف الوضع العملي للمرأة المصرية بأنه واقع مرير في أكثر مجالاته.
فإذا قفزنا على مشكلة المشاركة السياسية التي تحدثت الدراسة عن تدني نسب تمثيل المرأة المصريةوالعربية فيها، فإن المشكلة الأخرى تتمثل في التحدي الاجتماعي الذي يعكس استمرار الانماط الثقافية التي تعزز الصورة التقليدية للمرأة، كذلك عدم تناسب الصورة المقدمة عن المرأة في الاعلام مع نبل الرسالة الملقاة على عاتقها, كما تتزاحم المعوقات امام عمل المرأة، وتزيد من حدتها الفجوة بين التشريعات والتطبيق في مجال توفير الخدمات والرعاية والتيسيرات لها ولأبنائها, أما التحدي الاقتصادي فيتمثل في المعوقات التي تحد من رفع انتاجية المرأة، ومشاركتها الاقتصادية، وتحرير قدراتها الابداعية, وتشير الدراسة الى أن اخطر التحديات هو التحدي الحضاري الذي يفرض على المجتمع ان يسابق الزمن والوجود على الصعيد الدولي، وملاحقة التكنولوجيا, وتخلص الدراسة إلى أنه رغم الايجابيات والسلبيات، مازالت هناك مجالات تقتصر على الرجال رغم دستورية التحاق النساء بها.
لذا، وبعد قراءة نتيجة هذا البحث المتخصص وما خرج به من نتائج عن دور المرأة العربية في التنمية تقلص لدي ذلك القدر من التفاؤل الذي كنت اشارك فيه صديقنا الدكتور أنور عبدالمجيد الجبرتي والذي حملته دعوته إلى ما أسماه بلامساواة لصالح المرأة! مما حملني إلى القبول بهدف اكثر تواضعا وهو المطالبة بالحدالأدنى من الحقوق و الأعلى من الاحترام للمرأة العربية وقضاياها المشروعة, لذا فسأكتفي بالمطالبة بمساواة لصالح الرجل ,, لا أقل ولا أكثر!!
د, عبدالعزيز حسين الصويغ