لا وقت للصمت غداً ,, لن يكون أجمل! فوزية الجار الله |
كم مرة فكرت بأن ثمة تشابهاً يصل إلى حد التطابق بين شخصيات عاشرتها أو قرأت عنها أو سمعت بها؟!
وربما تقول لنفسك: هذا أمر وارد فكلنا وكلهم بشر وهذه الطينة من تلك العجينة !
لكن الحقيقة تختلف عما فكرت به وما خطر في بالك,, إذ يقال بأن كلاً منا ليس نسخة طبق الأصل عن الآخر حتى ولو تشابهت الملامح,, فلدى كل منا ملكة خاصة، شيء ما يتقنه دون سواه,, وقل أن تجد انساناً لا يتمتع بهذه الصفة، ولكن ما الذي يحدث؟!
ثمة من يكتشف هذه الموهبة باكراً فيعتني بها أو يجد من يساعده على تنميتها وصقلها,, وثمة نوعان آخران: أحدهما لم يكتشف موهبته أبداً وكان طوال الوقت غارقاً بتفاصيل الحياة اليومية الروتينية لذا لم يعر هذا الجانب اهتماماً!
أما النوع الآخر فهو ذلك الذي ساعدته الظروف والبيئة المحيطة على اكتشاف موهبته وتعرف عليها جيداً لكنه لم يتعهدها بالرعاية ولم يبال أكانت أم لم تكن,, وهكذا ضاعت في زحمة الأيام مع الكثير مما ضاع سواها!
ويعتبر العمل الذي هو مصدر أساسي لضمان حياة كريمة والذي يستغرق الجانب الأكبر من وقت الإنسان وطاقته هو السبب الأول لدفن الموهبة تحت غبار التناسي أو النسيان لتصبح في خبر كان,, يقول الروائي العربي البهاء طاهر في حوار له نشرته إحدى المجلات العربية:
لقد عملت مترجماً في منظمات دولية، وهو عمل شديد القسوة، لن يصدق أحد مدى قسوته إلا إذا جربه، فيومياً لابد من انجاز كم معين من العمل يفوق طاقة البشر، هذه الترجمة تستغرق منك كل لحظة من وقتك من الثامنة والنصف صباحاً حتى الخامسة والنصف مساء، كل ذرة من كيانك، وليس هناك أي عذر لعدم العمل، وفي حال المرض تمكث في البيت، فكنت أنجز العمل لأعود إلى البيت في المساء كالجثة الهامدة، أقصى ما أصلح له أن أتناول لقمة خفيفة وأشاهد نشرة الأخبار في التلفزيون، وأنام مباشرة لأبدأ مبكراً يوماً آخر، كنت قد شاهدت مواهب تبددت تحت تأثير هذا العمل وآمنت بأني لو استمررت بهذا الشكل، تكون حياتي قد انتهت، هنا بدأت الكتابة، التي هي البديل للانتحار أو الموت، وبمجهود ارادي بالغ القسوة، قررت أن أكسر هذه الدائرة الشريرة بحيث لا أنسى أنني كاتب وأنني خرجت - في الاصل - لكوني كاتباً,, هكذا أنجزت .
كانت هذه الأحداث أثناء سنوات اغتراب البهاء طاهر في جنيف لمدة ثلاث سنوات والتي أنجز خلالها الروايات التالية: خالتي صفية والدير، الحب في المنفى، قالت ضحى,, إضافة إلى أن له الكثير من الأعمال الأدبية الأخرى.
ترى كم من المواهب ذهبت في طيات النسيان؟ وكم من الموهوبين ظلموا أنفسهم باستغراقهم فيما لا يجدي ولا ينفع,, وما يجعل منهم نسخة مكررة من الملايين سواهم؟!!!
وذلك غفلة منهم أو استجابة لصوت خفي بعيد دائم الالحاح يقول لهم: غداً سيكون أجمل .
نعم,, غداً سيكون أجمل حين تكون لنا تحركات أجمل واكثر صدقاً وفعالية مع ذواتنا أولاً.
|
|
|