Friday 4th February, 2000 G No. 9990جريدة الجزيرة الجمعة 28 ,شوال 1420 العدد 9990



الثقافة والإنتاج
د, محمد بن عبدالرحمن البشر

نعيش في الوقت الحاضر موسماً ثقافياً يشنف الآذان، ويستهوي الافئدة، ويعانق العقول، فالرياض اختيرت عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م كما ان الجنادرية قد فتحت ابوابها لاستقبال المثقفين الذين وفدوا اليها مشاة وركباناً يحدوهم الامل للاسماع والاستماع، والاخذ والعطاء، والامل ان تكون بضاعتهم مزجاة حتى يميروا الشعوب العربية بما هو مفيد فلعل شيئاً من الحراك يصل الى افئدة بعض من العاملين المخلصين ليحققوا شأوا طالماً تمنته شعوب البلاد العربية.
والمثقف القادم لينهل من معين هذا العطاء، ويروي ظمأه من سلسبيل هذا النهر المتدفق، او ليضيف اليه شيئاً مما لديه، لابد له ان يكون قدوة لغيره في تطبيق ما يحمل من اسفار الثقافة تطبيقاً يخرج نتاجه الى الغير، ويسهل قطافه لدى الصغير والكبير.
ان الثقافة في ذاتها متعة لمن تستهويه، وغذاء لذاته وفؤاده, فكما ان المشاهد للاعب الكرة يطرب لحركة احد اللاعبين وهو يخترق الصفوف بحركة سريعة طارحاً مناوئيه يمنة ويسرة، فإن المثقف يتمايل طرباً وهو يقرأ او يسمع بيت شعر جميل، او قطعة ادبية يبحر بها الى شواطىء قلبه فيأنس بها ويستمتع ايما استمتاع، وهذا كله او جله غذاء يحتاجه بنو البشر للاستمتاع مثل سائر الخدمات الترفيهية اذا توقفت الغاية عند حد الاستمتاع.
اما اذا صاحب هذا الغذاء الروحي الجميل، والرؤى القادرة على التمازج للوصول الى حقيقة بعينها يتم تبنيها والعمل بموجبها، فإن الثقافة بهذا قد اماطت اللثام عن خفايا المجهول، واسهمت في الحد من التباين، فنال المثقف مأربه، وحازت الشعوب مبتغاها.
ان المثقف المنتج للثقافة منتج في ذاته، لانه ينتج الفكر الذي ينير، والشعر الذي يطرب، والنثر الذي يمتع, اما المتلقي للثقافة غير المنتج لها فأحسب ان عليه واجب العمل بما فيها من شد للهمم وانارة للطريق ومساعدة على اتخاذ القرار الصائب, اما من اكتفى بالثقافة لتكون متعة شأنها شأن متع الحياة الاخرى، فقد اكتفى بما اشبع شهواته، واكمل مقصده ولذاته وهذه الفئة من المثقفين غير المنتجين الذين يحسنون الحديث ولا يحسنون العمل او لا يرغبون الاستفادة مما هو متاح من ينابيع الثقافة فمثل هؤلاء ليس للمجتمع في ثقافتهم نصيب اما شر المثقفين فهم اولئك الذين يستخدمون ثقافتهم في التوفيق للتلفيق، ويتحدثون بتعابير رائعة، ومعان فضفاضة يحسبها المتلقي حقيقة وهي لا تعدو كونها تنميقاً يظهر الامر في غير محله، والحقيقة منه براء، يستهويك حديثه، ويسعدك طرحه ومحسناته البلاغية، غير ان ما يقدمه لا يعدو كونه سراباً يحسبه الظمآن ماءً، ووهماً ينشر ظلاله على المجتمع بأسره، وخطر هذا الصنف من البشر لا يقف عند الايهام فحسب، بل يتعداه الى التضليل فيظن البعض ان القافلة تسير الى الامام وهي واقفة او سائرة الى الخلف ويعتقد البعض ان ظاهر الشيء مثل باطنه، وحقيقة الامر غير ذلك.
ان كل محب لعالمنا الاسلامي سيذرف الدمع كقطرات الغيم، وسيتأجج قلبه ناراً كبروق الجون، وسيلفظ انفاسه الحزينة كالرياح عندما يبصر هذا العالم الاسلامي يلهث وراء لقمة العيش، ليلقيها اليه غيره، رغم وجود عناصر الانتاج لديه، سوى الادارة الصادقة المخلصة والنوايا المنبثقة من الاحساس بالمسئولية، وما احسب ان امة تستطيع النهوض من الوحل الذي تعيش فيه دون اصلاح الافراد واصلاح الافراد يتطلب اصلاح الذات، واصلاح الذات يتطلب نبذ الانانية، والقدوة الصالحة كتطبيق عملي لنبذ الانانية.


رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

ملحق الميدان

الجنادرية 15

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved