لما هو آتٍ تحلَّقوا,, تسعدوا د ,خيرية إبراهيم السقاف |
الحثُّ على مكارم الأخلاق، يواكبه العمل على إشاعة التعامل الحسن بين الأفراد، ولا يأتي ذلك تطبُّعاً إلا من خلال الممارسة,,، ولا يتمُّ الأخذ بالشيء ما لم ينزل من النفس في موقع القبول ومن الفهم في منزلة الإدراك,,، لتُسبغ بعد ذلك الطباع بخبرات الأخلاق الحسنة.
والأخلاق تتكون بالدُّربة، والتعليم، والحثِّ، بل بالثواب والعقاب في بَدء توجيه الإنسان وتعليمه وتدريبه فهي مُناطة بالوليِّ، الذي هو مسؤول وراعٍ.
والأخلاق تؤدي إلى الشعور بالمسؤولية في كامل أدوارها بَدءاً بمنطق الإنسان وانتهاءً إلى فعله,.
والأخلاق تُهَذَّبُ وتُشَذَّب,, والحديث عن ذلك لا تتسع له أسفار، ولا يحصيه وقتٌ,, ولئن كانت الأخلاق هي حصاد المحاضن الأولى، فإنها أيضاً مسؤولية العلماء الذين يُمثِّلون المحاضن الأكبر والأوسع,,، ولئن كان البيت المدرسة الأساس، يليه المجتمع بكل ما يمنحه للمرء من فرص الاحتكاك والتفاعل في المعاملات اليومية مع الآخر، بحيث يُثمر هذا الحصاد، فإنَّ المسجد هو مدرسة المسلم ، ما لم يتعلَّمه، أو يكتسبه، أو يُدَرَّب عليه الإنسان في المحاضن الأولى، أو في المجتمع ، يتعلَّمه فيه، ويوجَّه إليه فيه، بل ويضعه فيه العلماء وجهاً إلى وجه مع حقائق الأمور، ومنازلها، بل وبعرض نتائجها على ميزان القبول، والرفض، ثم الثواب والعقاب.
فالمرء لا يتوقَّع أنه يُحاسب على حسن خلقه أو يُعاقب، لأنه يتوقَّع أن سلوكه أمر مناط به، يخصُّه وحده دون سواه، بينما هو إن وعى توجيه الإسلام إلى حسن الخلق، وعرض صفات الخلق الحسن وسمات الإنسان، التي يتحلَّى بها على محكِّ التعامل لوجد أنه يحتاج إلى معرفة نفسه من خلال الآخرين الذين يتعامل معهم، إذ هو لا يعيش في معزل عن الناس، ولا يُغلق عليه بُرجه، أو صومعته، ولا يمكن أن يُمضي حياته صامتاً لا يتكلم، أو مستغنياً لا يتقابل مع الآخرين في أمور الحياة وحاجات الإنسان فيها، فهو لذلك مسؤول أن يتعامل بهذا الخلق الحسن مع الآخرين سواء في كل ما يخرج عنه من كلام، أو يُصدِر مِن فعل، فتكون هناك تبادلية مترابطة من التعامل الراقي النبيل الحسن بين الناس مما يعكس على الحياة الطمأنينة ويأخذ كل امرئ نصيبه منها في غير ما يُضيِّق عليه أو يضرّه أو يجرحه أو يؤذيه، لأن ذا الخلق لا يسلك في خطأ، ويتجنب الإيذاء، ويحرص على إشاعة الحق والعدل والتسامح مناط نجاح الحياة العامة والخاصة, فلكل إنسان حقوقه إذا أُخذت وأُعطيت في عدل، وإذا وُجِّهت عند التنفيذ بالتسامح والسماحة عند حدوث أي تعثُّر في تنفيذها تحقق المجتمع الفاضل، الذي ما أُرسل الأنبياء إلا لكي يُقيموه.
من هنا وُصِف خاتم الأنبياء والرُّسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو خلق عظيم وفي ذلك ورد الدعاء بالهداية إلى حسن الخلق اللهمَّ أهدنا لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ,.
في المسجد تعلَّم المسلمون قواعد الخلق الحسن، وتدرَّبوا عليه,,، ومُنحت لهم فرص التعامل معه، فالمسلم كله على المسلم حرام: ماله ودمه وعِرضه,,، لا اعتداء ولا تسلُّط ولا سلب ولا قذف ولا هدر ولا قتل ولا سرقة,,، والمسلمون لا يتنابزون ولا يتجسَّسون على بعضهم ولا يتناجشون ولا يتسابُّون ولا يتقاذفون ولا يغتابون ولا يُنِمُّون، ويحبُّون لبعضهم ما يحبُّونه لأنفسهم,, ويتَّقون الله ما استطاعوا,.
إن ابتسم المرء في وجه أخيه أثابه الله تعالى بدل الواحدة بعشرة,,، وإن ستر غيبته كان المِثل، وإن مدَّ إليه يد المعونة كي يصل طريقه دون أن يتعثر كان الأجر، بحيث يستطيع الإنسان في نهاية كلِّ يوم من أيامه أن يجلس إلى نفسه ويحصي كم حسنة فعل في اليوم الذي هو فيه وكم سيئة، يقوم بعملية حسابية تكون محصَّلتها إحصاءً للحسنات فأجرَها، ويُسقط منها عن كل سيئة واحدة، مثال: إماطة الأذى بعشرة، وعدم تلبية نداء محتاج بواحدة، والمحصلة 10 1=9 ,, أما ما بقي من حق الله تعالى في وزن أعمال الإنسان إناطةً بنيَّته وما في دخيلته هل تظل التسع كما هي أم تزيد أو تنقص فتلك التي ليست من مهام الإنسان وإنما يوكل أمرها إلى صاحب الشأن الرحمن الرحيم.
في البيت وفي المسجد يمكن أن يوجّه الإنسان إلى أهمية حسن الخلق، هذه الأهمية التي غدت ضرورةً في هذه المرحلة على وجه الخصوص حيث بَعُدَ الناس عن النهل من نبع هذه المحاضن، وتشعَّب المجتمع الإنساني بحيث اختلطت فيه السمات والصفات وضعُفت فيه العلائق فَفُقِدَ بين الناس التعامل فضاع الحق والعدل والتسامح من معاملات الأفراد مع بعضهم الأمر الذي أضعف من البناء المجتمعي للمسلمين في علائقه بين الأفراد، وفي الأسر وبينها، وفي محيط العمل، وحتى في الشارع,, فاللهمَّ أهدِ إلى حسن الخلق كافة الناس إنه لا يهدي إلى حسن الخلق إلا أنت كي تشيع السعادة ويتحقق الحق والعدل والتسامح.
|
|
|