قوافي الشعر تختصر البلادا
وتجتازُ المفاوزَ والوهادا
تزور الشام وهي بأرض نجدٍ
وتُسرج نحو بغدادَ الجوادا
تصافح باليمينِ رُبى دمشقٍ
وتمسك باليد الأخرى السَّوادا
وفي ارض الكنانةِ للقوافي
مصادرُ تمنح الحسَّ الجمادا
من البيتِ الحرام تمدُّ كفَّاً
إلى الأقصى تبادلُه الوِدادا
وتشرب ماءَ زمزمَ ثم تمضي
وقد أخذت من القرآنِ زادا
تسافر بي إلى الآفاق حتى
تقرِّبَ من شكا منها ابتعادا
يظلُّ تألُّقُ الأشواق فيها
يبلِّغها من الحُلُمِ المُرادا
قوافي الشعر تغسل راحتيها
بماءِ النّيل تسألُه المِدادا
وتجلبُ من ربوعِ الهند عوداً
وتلقى في خُراسانَ امتدادا
قوافي الشعر في دمها حنينٌ
تدفَّق من دمي وإليَّ عادا
أضأتُ بها دروبَ الوعي حتى
رأيتُ لهمّتي فيها اتِّقادا
عَبَرتُ بها محيطَ الهند لمَّا
رأيت وراءَه قصراً مُشادا
وابصرتُ المآذنَ شامخاتِ
تذكِّر مَن تغافل أو تمادى
وتنشر في سماء الهند ذكراً
وتسبيحاً تُرِيحُ به العبادا
وتُسمعني صدى كلماتِ شيخٍ
تُذيبُ عنادَ مَن أبدى العنادا
تحرِّكُ بالهدوء شعورَ فَظٍّ
فيُعلن بعد شدّته انقيادا
لمن هذا الحديثُ يفيضُ حُبّاً
وتستهوي بلاغتُه الفُؤادا؟؟
لمن ؟ فأجابني صوتٌ حزينٌ
يُخافِتُني ويرتعد ارتعادا
لقد مات المحدِّث، قلتُ: ماذا؟
فَغَمغَمَ بالكلامِ وما أعادا
سكتُّ سكوتَ من يخشى جواباً
يزيد حبالَ حسرته انعقادا
وأدركتُ الحقيقة، ربَّ صمتٍ
إذا ما أُلِجمَ الراوي أفادا
مضى بالشيخ مركبُه وولَّى
إلى الأخرى، وبلَّغه المعادا
قوافلُ من نحبُّ مضت سِراعاً
وآثرتِ التنقُّلِ والبُعادا
اشيخَ الهندِ ، هذا عامُ حزنٍ
تَزَلزَلَ فيه عالَمنا ومادا
تساوت فيه أَشهُرُنا فصرنا
نرى صفراً ونحسَبُه جُمادَى
تساقطت الكواكبُ فيه حتى
تشعَّبَ ليلُ حسرتنا وزادا
رُزِئنا، قبلَ موتكَ بابن بازٍ
وأجرى اللهُ فينا ما أرادا
وكان البَدرَ حين هوى، تهاوت
كواكبُ علمنا، والحزن سادا
فأمسينا كما يُمسي جريحٌ
تطاول ليلُه وشكا السُّهادا
سهرنا، كيف ترقد عينُ باكٍ
وموجُ الدَّمع يجتاح الرُّقادا؟
أشيخ الهند، ما ودَّعتَ هنداً
ولا سُعدى، ولم تُثكِل سعادا
لقد أثكلتَ أُمَّتَنا، ولولا
عقيدتُّها لأعلنتِ الحِدَادا
بكتكَ لأنَّ سَعيَكَ سَعيُ شَهمٍ
بحمل أمانةِ الإصلاح آدا
لأنَّكَ يا أبا حسنٍ وفيٌّ
زَرَعتَ لها وأحسنتَ الحصادا
هي الأفعالُ ترفع شأن حُرٍّ
إذا حَسُنت، وتمنحُه اعتدادا
ولولا ما رأى من صدقِ عزمٍ
معاويةٌ، لما ولَّى زيادا
لقد أعلنتَها والأرضُ حُبلَى
بباطلها الذي احتشد احتشادا
بأنَّ خسارةَ الدنيا انحطاطٌ
لأهل الدين، أورثَها الكسادا
واشعل في نواحيها لهيباً
من الشهواتِ عوَّدها الفسادا
تجاوزتَ المحيطَ تبثُّ وَعياً
وتطردُ عن روابينا الجرادا
وأدركتَ الصِّراعً صراعَ كفرٍ
وإيمانٍ، فأطلَقتَ الجيادا
شددتَ إلى الحجاز رحالَ وَعيٍ
قَدَحتَ به لهمّتنا الزِّنادا
وسرتَ إلى المدينةِ باشتياقٍ
فأَسلَسَ ركبُكَ الساري القيادا
نظرتَ إلى جزيرتنا بعينٍ
ترى فيها المنابع والمِهَادا
أشيخَ الهند ما سافرتَ إلاَّ
وقد أَرسيتَ في الهند العِمَادا
لندوتكم مشاعلُ من علومٍ
تُضيءُ بنور حكمتها البلادا
وتمنحكم علوماً نافعاتٍ
بها تَلقَون مِن عَوَزٍ سِدادا
تموج معابد الهنودس كفراً
تزيد به ارتكاساً وارتدادا
وأنتم ترفعون شعارَ دينٍ
وتعتقدونَ منهجه اعتقادا
أشيخَ الهند، قد هبَّت رياحٌ
من الإيمان تمنحنا الرَّشادا
فتحتَ لها النوافذَ حين هبَّت
فما تركت غباراً أو رمادا
كتبتَ لنا فما أرخصتَ فكراً
ولا أخفيتَ معنىً مُستفادا
وكنتَ أديبنا في الهند تحمي
بحسنِ صياغة الأسلوب ضَادا
تصيَّدتَ البلاغةَ من حِماها
ومَن أبرى سِهامَ الوَعي صادا
وما كلُّ الظِّباءِ إذا أُثيرت
بأنغام الهوى تأتي تَهادى
وفرقٌ بين مَن صلَّى خشوعاً
وإيماناً، ومَن صلَّى اعتيادا
ومن كتبَ الحروفَ لنَشر دينٍ
ونُصرتِه، فقد بلغ الجهادا
بذلتَ الجُهدَ، ذلك طَبعُ شَهمٍ
إذا بَخِلت نفوس القوم، جادا
وليس على المجاهد من سبيلٍ
إذا لم يدَّخر فينا اجتهادا
وما حَقُّ الذي يسعى لخيرٍ
ويُعطي، أن يُحارَبَ أو يُعَادَى
ومَن جعل الكتابَ له مَعيناً
فلن يخشى لمنبعه نَفَادا