الحمد لله مصرف الاحوال والاكوان، احمده سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون واشكره على جميع نعمه على البلواء والضراء والخير والسراء، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له لا اله غيره ولا رب سواه، ولا نعبد الا اياه واشهد ان محمداً عبده ورسوله افضل من عرف قدر الله وبين ان كل شيء بأمر الله وبتدبيره وتسخيره صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه اهل الفضل والايمان اهل الحق والقرآن الذين لا يسبون الريح ولا الدهر لعلمهم ان كل شيء بقدر.
أما بعد:ايها الناس اتقوا الله وقدروه قدره، ولا تخالفوا امره، ولا ترتكبوا نهيه بالتعرض لزجره واعلموا ان الله يبتلي الخلق بالضراء هل يجزعون او يصبرون، وبالسراء هل يشكرون ام يكفرون، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم 40 , وان من انواع البلوى والامتحان للخلق، هل يلجأون اليه؟ ويرجعون اليه الامر، ام يزدادون عنه بعدا، وذلك بتأخير الامطار، ووجود الجدب والاقفار وبتكوين الرياح والعواصف التي تدمر ما شاء الله تدميره، فقد تكون رحمة فتلقح السحاب بتقديره وتسوقه الى حيث امرها ربها لان تمطر فيه والله الذي ارسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به الارض بعد موتها ولا ينزل سبحانه المطر الا بمقدار تقضيه حكمته والذي نزل من السماء ماء بقدر وينزله سبحانه في حال الرخاء والشدة وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد 28 ولربما منع المطر حتى يكون سببا لطغيان الناس واستمرارهم في البغي والعصيان وليظهروا اليه الافتقار ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير27 .
عباد الله: لقد تأخر المطر عن قوم نوح، كما انقطع الايلاد فلم تلد نساؤهم لمدة أربعين سنة ونبيهم نوح يدعوهم لان يتضرعوا الى ربهم ويقلعوا عن معصيته، يدعوهم جهارا واسرارا، ويأمرهم بأن يستغفروا ربهم انه كان غفارا، يرسل السماء عليهم مدرارا ويمدهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لهم انهارا، وهم لا يجيبون بغيا واستكبارا، حتى اهلكهم الله بالغرق، كما اهلك غيرهم بالريح العقيم التي لا تلد خيراً وهم قوم عاد واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية 6 سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية وقال وفي عاد اذ أرسلنا عليهم الريح العقيم 41 ما تذر من شيء أتت عليه الا جعلته كالرميم .
عباد الله: اتدرون ما واقع عاد مع هود نبي الله، انه التنكر لدعوته والاستهزاء بانذاره والاستبعاد لعقوبة الله ينذرهم ويخوفهم ويقول هذا بيد الله تعجيله او تأجيله، وانما هو مبلغ عن الله فليس الامر باختيارهم وتوقعاتهم حسب ما تملي لهم رغباتهم فهم يرون السواد المتراكم في السماء ويقولون: هذا عارض ممطرنا ومادروا ان ما استعجلوا به ريح فيها عذاب اليم، تدمر كل شيء بأمر ربها، فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين , عباد الله: ان الواجب على خلق الله ان يتأدبوا مع ربهم وخالقهم، ومربيهم ومصرف احوالهم ومصرف الرياح والاكوان بالاعتقاد والاقوال والافعال فاذا رأوا الريح نشأت في الجو فليخافوا من ان تكون كريح قوم عاد، وليرجوا ربهم ان تكون رياحا ملقحات وللسحاب سائقات، فهي حينما تنشىء تحمل هذا، فحينما تحمل العذاب عبر عنها القرآن بالريح، وحينما تحمل الخير والمطر عبر عنها بالرياح، والعبد لا يعلم عن نتائجها الا بعد حصول المطر او ما تسببه من التدمير والحوادث، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشتد خوفه اذا رأى شيئا في السماء فقد روت عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا رأى غيماً او ريحاً، عرف ذلك في وجهه قالت يا رسول الله، ان الناس اذا رأوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيه المطر، واراك اذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة: ما يؤمنني ان يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، وقالوا هذا عارض ممطرنا، ومما ادب به الرسول امته هو النطق الجميل حين رؤيتهم الريح ان يتوجهوا الى مصرفها ويضرعوا اليه وان يجعلها خيرا لا عذابا، فعن ابي بن كعب رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الريح، فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير مافيها وخير ما امرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر مافيها وشر ما امرت به ففي الحديث النهي عن سب الريح والارشاد الى الكلام النافع اذا رأى الانسان ما يكره والارشاد الى انها مأمورة والى انها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر، وقد عقد محمد بن عبدالوهاب بابا لهذه المسألة اسماه باب النهي عن سب الريح، حيث ان في السبب منافاة لكمال التوحيد، قد يؤدي الى منافاته كله، ثم ساق هذا الحديث وقال الشارح عبدالرحمن بن حسن على هذا الحديث في تعليل النهي عن سب الريح، لان الريح انما تهب عن ايجاد الله تعالى وخلقه لها وامره، لانه هو الذي اوجدها وامرها فسبها سب للفاعل وهو الله سبحانه كما ورد النهي عن سب الدهر وهذا يشبهه ولا يفعله الا اهل الجهل بالله وبدينه وربما شرعه لعباده فنهى صلى الله عليه وسلم اهل الايمان عما يقوله اهل الجهل والجفاء وارشدهم الى مايجب ان يقال عند هبوب الرياح فقال اذا رأيتم ما تكرهون: فقولوا: اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير مافيها وخير ما امرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر مافيها وشر ما امرت به يعني: اذا رأيتم ما تكرهون من الريح اذا هبت فارجعوا الى ربكم بالتوحيد ففي هذا عبودية لله وطاعة له ولرسوله، واستدفاع للشر به وتعرض لفضله ونعمته، وهذه حال اهل التوحيد والايمان خلافاً لحال اهل الفسوق والعصيان الذين حرموا ذوق طعم التوحيد الذي هو حقيقة الايمان، فاتقوا الله ايها المسلمون واعتبروا يا اولي الابصار لعلكم تفلحون.
* عضو هيئة كبار العلماء