مع عدد من المعنيين بالعمل الدعوي الجزيرة تبحث أثر الانحصار الفكري في فقد الدعوة القدرة على الانطلاق عالمياً |
* كتب - المحرر:
مازال نفر غير قليل من المشتغلين بالدعوة يحصرون تفكيرهم دون فكر الجماعة او الجهة الشرعية التي ينتمون اليها.
وعلى الرغم مما يحمل هؤلاء الدعاة من همة عالية، وعلم لابأس به، وحماس لانظير له في الرغبة في الاصلاح، الا انهم يتمكسون بالفروع، ويتركون الاصول مما يجعل العوام ينفرون من هذا التشدد.
الجزيرة وهي ترى ان هذا الانحصار الفكري افقد الدعوة الى الله في الكثير من جبهاتها القدرة على الانطلاق الذي يتمشى مع عالميتها التي ارادها الله، التقت عددا من المعنيين بالعمل الدعوي لالقاء الضوء حول الاساس الذي يستند عليه هؤلاء الدعاة، وكيف يمكن اعادة برمجة فكرهم لمجاراة متطلبات العمل الدعوي المعاصر وتحقيق الهدف السامي منها.
التفقه في الدين
في البداية تحدث فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان الاستاذ بكلية الشريعة بالرياض قائلا: ان الداعية الى الله جل وعلا لابد ان يتصف بصفات من اهمها: ان يعلم اسلوب الدعوة، وان يقدم حال المدعو والبيئة التي يعيش فيها ويتدرج في امر الدعوة، ويبدأ بالمهم ثم ما يليه في الاهمية وهكذا.
مؤكدا انه لا يجوز للداعية ان يتساهل بهذا الامر، ويكون عارفا ما يدعو اليه عارفا بمن يدعو وحال المدعو وغير ذلك، فاما انحصار فكرة الدعوة في شيء معين هذا تنفير لها، ولهذا فان على الدعاة ان يتفقهوا في هذا الجانب، وان يوسعوا معلوماتهم حتى تكون دعوتهم على علم وبصيرة، وان يتجنبوا الانحصار الفكري الذي ينفر الناس عن الدعوة ويخرجها بثوب غير ثوبها الشرعي الذي اراد الله جل وعلا، فان الله سبحانه وتعالى قال: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن).
ويستطرد د, السدلان حديثه قائلا: ان قول الله جل وعلا: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة) فبهذا يخاطب بها اناس لا يستجيبون للدعوة، ثم قال: (والموعظة) لان بعض المدعوين يحتاج الى موعظة وتذكير وان نتجنب القسوة والتنفير، ثم قال: (وجادلهم بالتي هي احسن) هذا الصنف الثالث من المدعوين اي يجادلوا بالتي هي احسن وبالعلم والنقاش اذا كانوا من اهل العلم واهل المناظرة والمناقشة.
الحذر من وسائل الفرقة
اما فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض فيقول: ان الداعية الى الله تعالى يحمل وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ هذا الدين، وهداية الناس اليه، والشهادة به على الامة، وقد قال الله تعالى في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا)، وقال تعالى في شأن الدعوة: (قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
واضاف فضيلته قائلا: فجميع اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليهم ان يساهموا في مجال الدعوة الى الله بانفسهم وباموالهم وألسنتهم.
ثم قال: والداعية الى الله حين يبين الحق وينادي الى فضائل الامور ويدعو الناس الى صلاح حالهم في اصول دينهم وفروعه يجب عليه ان يقدر اولويات الدعوة ويحرص على استثمار ممتلكاتها وزيادة رأس مالها باجتماع كلمة المسلمين واعتصامهم باصول الحق التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم اليه صراطا مستقيما) وقد نص القرآن في اكثر من آية على اهل الكتاب انهم تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم وحسدا من عند انفسهم، ليكون لهم دائما الريادة والسيادة، فيبيعون الآخرة بالدنيا، ويقدمون الفاني على الباقي.
واشار الشيخ المطلق في هذا السياق الى ان السبب الجوهري في خروج مثل هذه العقبات في ميادين الدعوة ان هؤلاء المنتسبين الى الدعوة والعاملين في ميادينها يبتدون في مسائل كبيرة هي من اختصاص كبار فقهاء الامة الذين جمع الله لهم بين متانة العلم وطول التجربة وكثرة المراس في حل مشاكل الدعوة، وحين يصبح اولئك الصغار مرجعا لا يستشير غيره ولا يهتم بمخالفته، تخرج مثل هذه المشاكل التي لو عرضت على كبار الفقهاء لوجدوا لها حلا مناسبا كما قال الله تعالى: (واذا جاءهم امر من الأمن او الخوف اذاعوا به ولوردوه الى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا).
وحذر الشيخ المطلق المسلمين جميعا من البحث عن اسباب الشقاق والحذر من وسائل الفرقة مبينا ان الله قد حذرهم عن ذلك بقوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم).
ودعا فضيلته فقهاء المسلمين الى الصبر في تعليم هؤلاء والاحسان اليهم وتحمل ما قد يحصل منهم في سبيل تعليمهم فان الابتعاد عنهم ومنابذتهم وشدة نقدهم لايزيدهم الا نفورا وعنادا، وقد وصف الله سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم باللين والرفق في قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) والله ولي التوفيق.
رسالة الأنبياء
المشارك الثالث في القضية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العمار وكيل وزارة الشئون الاسلامية لشؤون المساجد والدعوة والارشاد,, الذي قال: ان الدعوة الى الله سبحانه وتعالى من افضل الاعمال وهي رسالة الانبياء، والله سبحانه وتعالى جعل هذه الخيرية في الامة التي اخرجها للناس لان الدعوة سمة من سماتها، قال تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر,,) والحديث الصحيح: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان).
والدعوة الى الله هي تبليغ الاسلام للناس، وتعليمهم اياه وتطبيقه، وموضوع الدعوة هو الاسلام لشموله وكماله والدعوة الى الله سبحانه وتعالى منذ نشأتها وهي تقوم على الكتاب والسنة، فان اصول الدعوة لابد لها ان تكون شرعية قائمة على اصل شرعي في مناهجها وخططها واساليبها ووسائلها.
وقال العمار: ان الداعي هو الركن الاول لهذا الدين لانه هو المبلغ للاسلام والمعلم له والساعي لتطبيقه، يقول تعالى (يا أيها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا).
والداعي الى الله هو المسلم لان الدعوة وظيفة كل مسلم، يقول تعالى: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) ويقول تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
والدعوة الى الله تقتضي الحكمة واللين والمعاملة الطيبة، والقواعد الشرعية تقتضي ذلك.
كما يجب على الداعي رعاية الاولويات والمهمات وذلك بربط المسلم بدعوته وهدايته للناس، فيبدأ بالعقيدة التي هي الاساس وتطهيرها من البدع والشوائب، ويقدم الفرض على النقل والمجمع عليه على المختلف عليه.
ويشير العمار الى انه ليس هناك اي شيء يسمى ضيق الافق اذا كانت قد قامت دعوته على اسس شرعية فالداعية الحصيف يتخير لدعوته الاهم والأولى، ويراعي حالات المخاطبين من حيث التدرج، والرفق في الدعوة هو مفتاح المسلم للدخول الى عقول الناس وقلوبهم.
وهؤلاء الدعاة الذين يكون لديهم حسب ماذكر ضيق في الافق فهذا ليس ناتجا عن الاخلاص، وانما هو خطأ في الفهم، وهذا يتطلب كما ذكرت آنفا ان يكون الداعي الى الله قائما في دعوته على اصول شرعية والاخذ بالقواعد الشرعية.
ومما لاشك فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بدعوة الاسلام بالاساليب التي اوحى بها الله اليه والثابتة في القرآن والسنة النبوية.
ويوضح العمار اهم الاشياء التي يجب ان يصف بها الداعي الى الله وهي: العلم والبصيرة بما يدعو اليه، قال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وغير ذلك من الصفات مثل التخلق بالخلق الحسن، واحسان الظن بالناس، ويخالط الناس حيث تحسن المخالطة، وينزل الناس منازلهم ويعرف لاهل الفضل فضلهم، كما لاننسى عناية السلف بالتعرف على المخاطبين، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينها، ولابد من العلم بحال المأمور والمنهي).
ودعا الشيخ العمار الدعاة الى تمحيص المنهج في الدعوة والاحتكام الى الكتاب والسنة في ضوء فهم السلف الصالح من اهل السنة والجماعة، فان ذلك هو الطريق السليم للفهم.
|
|
|