الحوار والجدل يلتقيان في انهما حديث أو مناقشة بين طرفين، لكنهما يفترقان بعد ذلك: الجدل هو اللدد في الخصومة وما يتصل بذلك ولكن في اطار التخاصم بالكلام، فالجدال والمجادلة والجدل كل ذلك ينحى منحى الخصومة أو بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له، أما الحوار والمحاورة فهي مراجعة الكلام والحديث بين طرفين دون ان يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة.
وفي القرآن الكريم ما يدل على هذا الفرق، حيث نجد الكتاب العزيز يستعمل الجدال في المواضع غير المرضي عنها او غير المجدية كقوله عز وجل: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير).
وفي اللغة: تسمى شدة الفتل جدلا، والجديل الزمام المجدول من ادم، ومنه قول امرىء القيس:
وكشح لطيف كالجديل مخصرا وساق كأنبوب السقي المذلل |
والجادل من الابل الذي قوي ومشى مع امه، والأجدل الصقر، ورجل جدل اذا كان قويا في الخصام.
والجدل الاصطلاحي: دفع المرء خصمه عن افساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة.
وقد وردت مادة الجدال في كتاب الله في تسعة وعشرين موضعا، كلها جاءت بالمعنى المذموم الا في أربعة مواضع:
(فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ان إبراهيم لحليم أواه منيب), هود.
(وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل.
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) العنكبوت.
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير) المجادلة.
فالجدل لم يؤمر به ولم يمدح في القرآن على الاطلاق، بل جاء مقيدا بلفظ الحسنى في الموضوعين الثاني والثالث، مجردا منها بمعنى الحوار الهادىء في الموضوعين الأول والرابع.
خلاصة القول ان كل جدل حوار وليس كل حوار جدلا، لكن ربما تحول الحوار الى جدل، وقد يجتمعان كما في صدر سورة المجادلة,,وأما المناظرة فهي قريبة من معنى الحوار، الا ان المناظرة أدل في النظر والتفكر، كما أن الحوار أدل في الكلام ومراجعته.
د, طارق بن علي الحبيب
طبيب أمراض نفسية