ما اكثر الكتابات التي كتبت وما تزال تكتب بأقلام اناس من داخل هذه البلاد وخارجها عن جوانب متعددة من اوضاعها, ومن بين هذه الجوانب الجانب التاريخي, وكاتب هذه السطور يعترف مقدّما بتقصيره عن متابعة تلك الكتابات, بل ان اعترافه بالتقصير ليتضح في عدم قدرته على قراءة ما حصر نفسه فيه؛ وهو الكتابات التاريخية عن الوطن الغالي, صحيح ان اكثر الكتابات اقل ما يقال عنها: انها ضعيفة؛ أسلوبا ومضمونا، وان الهدف الواضح من كتابتها تحقيق ما امكن تحقيقه من دخل مادي في محيط تدعم فيه الإصدارات ذات التوجه المتصف بالزبد الذي يذهب جفاء اكثر مما تدعم الكتابات العلمية الجادة, ولقد تدفق سيل من الكتابات اثر العدوان الصدَّامي المتمثل باحتلال الكويت، وعقب تحريرها من ذلك العدوان، كما تدفق سيل من الكتابات بمناسبة الاحتفال بمرور مئة سنة هجرية على دخول الملك عبدالعزيز رحمه الله الرياض ، وانتزاعها من عامل الامير عبدالعزيز بن رشيد عليها؛ مبتدئا بذلك اولى خطواته لاستعادة الحكم السعودي، وتوحيد مناطق البلاد تحت قيادته؛ وهو التوحيد الذي يجني الجيل الحاضر ثماره الطيبة؛ أمنا، واستقرارا، ونهضة حضارية, واكثر تلك الكتابات وهذه باستثناء بعض الكتب التي اعيدت طباعتها بالمناسبة المئوية كان من هذا التوجه.
وما وجده كاتب هذه السطور في زيارته الاخيرة لقطر عربي كريم بدعوة خاصة من احدى جامعاته زاده اقتناعا بان ذلك النوع من الكتابات المشار إليها لم يكن له أي اثر ايجابي لمصلحة وطننا؛ قيادة وشعبا, كانت احدى المحاضرات التي القاها على طلاب الدراسات العليا في قسم الدراسات الاسلامية وعددهم حوالي مائة وعشرين طالبا وطالبة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وآرائه في بعض المسائل الدينية مفتاحا في نظره لمعرفة درجة الوصول الى الآخرين , ذلك ان هؤلاء الطلبة والطالبات قد تجاوزوا المرحلة التعليمية التي قد لا تؤهلهم للحكم على الأمور بوضوح، ولم يصلوا الى المستوى الاجتماعي الذي قد يحول دون التعبير عما في نفوسهم؛ مجاملة او استجابة لدوافع خاصة املتها ظروف لقاءات كثير من الوفود الرسمية او الشخصيات المحمَّلة بالمبالغ البنكية, نعم لقد ازداد اقتناع كاتب هذه السطور نتيجة لتلك الزيارة وبوحي من مناقشات اولئك الطلبة والطالبات المشار اليه بان احد مثقفي وطننا الاكاديميين قد تمكن من الوصول الى المثقفين من ابناء القطر العربي المذكور؛ وذلك من خلال حضوره الفاعل في الندوات الفكرية النقدية، ومن خلال كتاباته التي نشر بعضها هناك, وبذلك الوصول اعطى صورة مشرفة للمملكة العربية السعودية والمستوى الفكري الذي وصلت اليه نخبة من أبنائها بل ان كاتب هذه السطور يمكنه ان يقول بناء على ما سبق ذكره بان ما قام به هذا المثقف العربي السعودي، الذي لم يكلّف خزينة الدولة الوطنية مالا، اكثر فائدة من كثير من الوفود التي انفقت عليها اموال طائلة في بعض الاحيان.
واذا كان جانب من الكتابات في المناسبتين المذكورتين يمثل الجانب الضعيف، الذي كانت فائدته محصورة في ملء جيوب من كتبوها؛ استجابة غير موفقة لظروف المناسبتين، فان قسما اخر من الكتابات التاريخية بالذات مهما كان قليلا جيد ومفيد وجدير بالقراءة.
وكاتب هذه السطور يدرك غاية الادراك ان الوقت المناسب للكتابة عن اي عمل قرأه في ميدان تخصصه هو الوقت الذي يتلو اصداره مباشرة, لكن هذا الكاتب قد يمضي عليه، احيانا، زمن ليس بالقصير قبل ان يقرأ ذلك العمل قراءة فاحصة, وربما قرأه في الوقت المناسب عنه، لكن ما كتبه الآخرون تقريظا له لمكانة مؤلفه او منزلة المتحدث عنه فيه يجعله يحجم عن نشر ما رآه في ذلك الوقت المناسب خشية ان يكون وحيدا في الساحة او كما يقول المثل العامي: يصير بالتنَّاري امام الكثرة من المشيدين او المقرظين؛ وهو اجبن من ان يكون في مثل هذا الموقف, ولذلك فانه كثيرا ما فضل التريث والانتظار حتى تهدأ الرياح حول العمل المنشور.
وفي هذا العام ودَّعت جامعة الملك سعود متقاعدا بعد ان سعدت فيها؛ شابا يقوم بجميع اعمال سكرتارية القائم بادارتها حينذاك، استاذه الجليل الذي كان اول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه؛ وهو عبدالعزيز الخويطر وطالبا في قسم التاريخ، ثم مبتعثا على حسابها للحصول على الدكتوراه ، ثم عضو هيئة تدريس فيها؛ متنعما بالاخوة الجميلة من زملائه وباللطف من جميع القائمين على اداراتها طوال مدة تقرب من ثلاثين عاما, بعد هذا الوداع اجد اعبائي قد خفت, وهذا مما يتيح لي الفرصة للعودة الى الوراء واعادة ما سبق ان دوّنته من ملحوظات وانطباعات حول الكتابات التي قرأتها, وكان للتغييُر الايجابي في وضع صحيفة الجزيرة الغراء بعد ان عاد الى رئاسة تحريرها الاخ الكريم، الاستاذ خالد المالك، دور في حفز همتي لصياغة تلك الملحوظات والانطباعات ونشرها؛ املا ان يكون فيما اكتبه فائدة للقارىء الكريم، او لمن الَّف ما اكتب عنه، او على الاقل فائدة لي بحيث اشعر باني ساهمت فيما اعتقد انه في حاجة الى ايضاح, وآمل ان يكون نشر هذه القراءة في حلقات اسبوعية تيسر عليّ العلم، وتخفف من عنت تحمُّل القارىء الكريم ما اكتبه.
وسيكون اول كتاب تتناوله هذه القراءة كتاب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري لسراة الليل هتف الصباح: الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية، الذي صدر في بيروت عام 1997م؛ وذلك لاهميته ومكانة كاتبه, وآمل ان يكون تناول هذا الكتاب في عدد من الحلقات.
* عضو مجلس الشورى