الأطفال والتكنولوجيا د, محسن الشيخ آل حسان |
في زيارة استطلاعية قمت بها الى جامعة سياتل الامريكية مؤخرا لفت نظري بل استغرابي في احدى القاعات التكنولوجية مجموعة من الاطفال تتراوح اعمارهم بين سنة وثلاث سنوات وامامهم اجهزة الكمبيوتر في قاعة دراسية يرأسها طفل لا يتجاوز الخامسة من عمره وهم يتدارسون ويتشاورون في مواضيع علمية تتعلق بالتكنولوجيا والكمبيوتر والانترنت,, وفي زاوية من زوايا تلك القاعة الدراسية يجلس مجموعة من العلماء المراقبين والباحثين التابعين لقسم علم النفس في الجامعة الذين يراقبون ما يحدث ويسجلون ملاحظاتهم عن هؤلاء الاطفال.
وقد دفعني فضولي في حب الاستطلاع والمعرفة ان أقف الى جانب اولئك المراقبين وأصغي الى الطفل الذي يرأس الاطفال ويقول: زملائي,, شاهدوا هذه اللعبة التي اعتاد أولياء امورنا إعطاءنا إياها كهدية ثمينة تليق بعمرنا وبتفكيرنا على حسب معلوماتهم القديمة,, ويبدأ وبكل رشاقة يفكك قطع تلك اللعبة ومن ثم يركبها ويضع كل قطعة في مكانها الصحيح ثانية، وهو يقول: كانت هذه اللعبة في الماضي هي لعبة آبائنا وربما اجدادنا,, اما الآن,, فأصبحت اللعب اكبر,, وتحتاج الى فكر اوسع,, ودراية وفهم ومعرفة,, اصبحت لعبتنا اليوم هي هذا الكمبيوتر الذي ننتقل من خلاله الى عالم اوسع يليق بتفكيرنا الواسع,, ويستمر الطفل في حديثه او محاضرته العلمية او التكنولوجية والتي لا تقل في معلوماتها ومستواها عن المحاضرات التي يتلقاها طلبة الدراسات العليا.
وخرجت من تلك القاعة يرافقني أحد أساتذة الجامعة ليخبرني ان ذلك الطفل الخبير وتلامذته الاطفال يعتبر جزءا من ثورة في مجال التكنولوجيا وكيفية رؤية العلم لقدرات الاطفال صغار جدا على التعلم,, وطوال معظم السنوات الماضية من القرن العشرين، كانت النظرة السائدة الى الاطفال تعتبر ان هؤلاء الصغار ليسوا سوى اكوام من اللحم الطري لا يقدرون الا على البكاء واللعب ولا يستوعبون الا الالعاب البسيطة التي تعطي اصواتا مختلفة,, اما الآن فقد تمكنا نحن في الجامعة أن نثبت أن الأطفال كائنات قادرة على تعقل الاشياء حتى في الاشهر الاولى من حياتهم.
فسألت مرافقي باستغراب: ولكن هل تتقبل عقولهم الطرية الندية الناعمة هذه المعلومات الثقيلة؟
فقال بكل ثقة: إن القدرة على التعامل مع المعلومات التي تحتويها، جمجمة الطفل، الرضيع، توحي بأن هؤلاء الاطفال الصغار يعلمون ما هو أكثر بكثير مما يستطيعون نقله الى الآخرين.
بيد أن جمع المعلومات العلمية الدقيقة عن كيفية عمل دماغ الاطفال الصغار ليس بالأمر السهل كما يبدو ظاهريا.
ويرجع السبب في ذلك الى أن اجهزة التصوير وحتى آخر ما توصلت اليه التكنولوجيا الحديثة المتوافرة في مجال دراسة الدماغ منها، لاتزال غير قادرة على ضبط التفاصيل الدقيقة ولا يمكن اصلا استخدامها على الاطفال.
وفي جولتنا الاستطلاعية التقيت بالبروفيسور اندرو ميلتزوف مؤلف كتاب العلماء في المهد الذي أبلغني ان الاطفال الرضع يمتلكون القدرة على استخدام اللغة ويقدرون على التفكير والتوصل الىاستنتاجات ووضع توقعات والبحث عن تفسيرات وحتى القيام بتجاوب صغير,, وحتى قبل ان يتمكن الطفل من لفظ كلمة دادا يبدو انه يمتلك الادوات الاساسية لتعلم تركيب او استعمال كلمة او عبارة في مجلة.
سبحان الله,, علّم الانسان ما لم يعلم, إنه على كل شيء قدير
صدق الله العظيم.
|
|
|