Thursday 3rd February, 2000 G No. 9989جريدة الجزيرة الخميس 27 ,شوال 1420 العدد 9989



ضحى الغد
رأس القط الأسود!

جاورت في إحدى مناسبات الافراح شيخين طاعنين في السن، مضت لذّاتهما سوى لذة الحديث، ظللت مستمعاً لهما أشتري لا أبيع! وظلا هما يتناقلان الحديث بينهما يأخذ أحدهما بناصية الحديث ثم يعطيه الآخر، لايحتكر أحدهما متعة الحكي ونشوة القص، بل ينال منه حتى إذا استوفى حظه، أتاح للآخر فرصته، وظلا على هذه الشاكلة حتى صوت مضيفنا بالعشاء، فقاما إلى حيث لم ارهما من بعد!
قال الأول: لقد مرت علينا سنوات جوع ومسغبة ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، حدثني أحد الإخوان، قال: تزوجت امرأة في البلدة الفلانية، فلما اصبحت قلت لها: يافلانة ماذا لدينا في البيت من طعام، فقالت: والله يا ابا فلان، مافيه إلا ماء من آبار البلدة استعذبناه للشرب!
يقول:
فحملت (مسحاتي) آلة المزارع لتفجير الماء وعزق الأرض وخلط الطين ومضيت إلى إحدى المزارع المجاورة، وقلت لوكيل العمال فيها: أريد العمل عندكم! فأجابني لا حاجة لنا بزيادة عمال، قلت له: إذن أعمل بوجبة الغداء، انا رجل تزوجت البارحة، وليس في بيتي مؤونة ولا طعام! فرد عليه الوكيل: لا عمل إضافي عندنا، ابحث في موقع آخر!
يقول: فمضيت إلى السوق، وبعت (مسحاتي) واشتريت بثمنها جراب تمر وقربة ماء، ولحقت بقافلة (العقيلات) فما أدركتهم إلا في منتصف الطريق بين بريدة وحائل!
وحين دارت فناجيل الشاي، تناول الشيخ الثاني فنجاله ثم ضحك ضحكة مكتومة ومضى متناولاً خيط الحديث: قبل سبعين سنة أو تزيد عملت في احد البساتين سانياً اسوق النياق التي تستخرج مياه البئر لسقيا المزرعة، كان عمري في العاشرة، وراتبي ثلث ريال!
كان بقرب السانية غرفة طينية، وكان صاحب المزرعة، يُوقد فيها النار أحيانا وارى الدخان يصعد منها، وأسمع بقصة الشَّكر وشاهي الشكر، لم استطع أن أفهم كيف يكون هذا المشروب، وفي ضحى أحد الأيام، أوقفت السواني ودخلت متسللاً إلى هذه الغرفة، ورأيت قرب الرماد، ابريقا أسود متفحما كرأس قط أسود! فلمسته فإذا هو بارد، فرفعته إلى فمي، ثم سكبته في حلقي, فإذا بي أشرب شاياً بارداً ممتلئا (بالقعر)!
وفجأة يدخل علي صاحب المزرعة، لقد جاء على أثر صوت توقف (محالة) السواني، فهجم عليّ وصفعني، فخرجت من الغرفة مرعوباً، ومضيت هائماً على وجهي، حيث لا أب ولا أم، ويشاء الله أن أعمل عند صاحب مزرعة كان خيراً لي من صاحبي السابق.
ضحك الشيخ الأول من القصة، وعلق عليها قائلا: كان بعض الناس في ذلك الزمان، يعمل بضمانة حصوله على وجبة في اليوم، ولا يطمح إلى أخذ أجرة نقدية على عمله! لقد غضب مرة أحد العمال على صاحب المزرعة لأنه لم يحضر له وجبة الغداء! فقيل له إنه قد نسي، فرد عليهم: لكنه لم ينس مرة فيغديني مرتين!
وحدثتنا مرة إحدى نسائنا تقول: نظرت من (نافذة الدار فإذا رجل في طرف السوق يكشف بطنه الذي ربط عليه حصاه، لرجل في الطرف الآخر من السوق، ثم يرفع يده متسائلاً؟ فكان الجواب ان كشف الآخر بطنه وقد شد عليه حصاة مثله!
صوت مضيفنا بالعشاء، وقام الشيوخ وتبعهم الكهول والشباب وانقطع حديث الشيخين عن سنوات الفقر والجوع!
عبدالكريم ابن صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الاقتصادية

متابعة

الجنادرية 15

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved